logo
العالم العربي
خاص

"الضم الصامت".. إسرائيل تغيّر "قواعد اللعبة" في الضفة الغربية (إنفوغراف)

استراتيجية إسرائيلية جديدة للسيطرة على الضفة الغربية

عادت قضية ضم الضفة الغربية لتتصدر الجدل السياسي داخل إسرائيل، مدفوعة بتصعيد غير مسبوق من اليمين الحاكم، وبمشاريع تشريعية وتنفيذية تشير إلى أن الضمّ بات خياراً فعلياً قيد التهيئة، وليس مجرد ورقة ضغط سياسية.

غير أن هذا التصعيد لا يتم بانسجام داخل الحكومة، بل ضمن تباينات واضحة بين اندفاع وزراء اليمين القومي والديني، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش، وتحفّظ تكتيكي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الحريص على تفادي كلفة دبلوماسية إقليمية ودولية مباشرة.

أخبار ذات علاقة

نتنياهو وترامب

نتنياهو يواجه أزمة محتملة مع ترامب بسبب "ضم الضفة"

هندسة تشريعية

وخلال جلسات الكنيست الأخيرة، طُرحت مشاريع قوانين تتعلق بإعادة هيكلة "الإدارة المدنية" في الضفة الغربية، في محاولة لنقل صلاحياتها من الجيش إلى الوزارات الإسرائيلية؛ ما يمثل تحولاً إدارياً جذرياً باتجاه الضمّ البيروقراطي.

هذا المسار، الذي وصفه مراقبون بأنه "ضم زاحف"، لا يحتاج إلى إعلان قانوني مباشر، لكنه يقوم على تحويل البنية القانونية والإدارية للمناطق المصنفة "ج" إلى بنى تتبع فعلياً للسيادة الإسرائيلية.

وفي هذا السياق، يمارس سموتريتش ضغطاً متصاعداً على الحكومة لتنفيذ خطته التي أعلن عنها بداية سبتمبر/أيلول الماضي، والتي تشمل ضمّ ما نسبته 82٪ من الضفة الغربية، باستثناء 6 مدن فلسطينية رئيسية.

وبصفته وزيراً للمالية ومشرفاً مباشراً على الشؤون المدنية في الضفة داخل وزارة الدفاع، بات سموتريتش يمسك بمفاتيح القرار التنفيذي، ويدفع باتجاه خطوات ميدانية تشمل توسيع الاستيطان، وشرعنة البؤر العشوائية، والمصادقة على مشاريع مثل بناء 3,400 وحدة سكنية في منطقة E1 بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم، في خطوة استراتيجية لتفكيك التواصل الجغرافي الفلسطيني.

في المقابل، يتمسك نتنياهو بسياسة "الحذر المرحلي"، فبينما يسمح بتقدم الإجراءات على الأرض، يمتنع حتى الآن عن تبنّي خطاب الضم العلني، مدركاً أن أي قرار رسمي سيفجّر صداماً مع إدارة دونالد ترامب، التي عبّرت أخيرا عن رفضها لأي إعلان سيادي أحادي الجانب، ويهدد في الوقت ذاته بانهيار مسار التطبيع مع شركاء إقليميين.

هذا التوتر الداخلي انعكس أيضاً في تصويت رمزي أُجري داخل الكنيست دعماً لمقترح الضمّ، حصل على أغلبية واسعة (71 صوتاً مقابل 13)، لكنه ظل غير ملزم، في إشارة إلى أن الحكومة تفضّل التدرج الميداني على الحسم القانوني.

يهدد استقرار الإقليم

مصادر دبلوماسية أمريكية، أكدت أن الإدارة الأمريكية تتابع عن كثب الخطوات الإسرائيلية الأخيرة التي تمس البنية القانونية والإدارية في الضفة الغربية، وتعتبر أن أي تحركات تُفهم دولياً كتهيئة لضمّ فعلي تشكّل قفزة غير محسوبة في توقيت بالغ الحساسية إقليمياً.

وأضافت المصادر لـ"إرم نيوز"، أن "من وجهة نظر واشنطن، لا يوجد اليوم هامش استراتيجي يسمح بقرارات أحادية في الضفة، سواء عبر إعادة هيكلة الإدارة المدنية أو تشريع توسّع المستوطنات. هذه الإجراءات لا تندرج في إطار ضبط أمني أو إصلاح بيروقراطي".

أخبار ذات علاقة

الجيش الألماني

الجيش الألماني يرسل 3 جنود إلى إسرائيل لمراقبة عملية السلام

واعتبرت أن "المشكلة لا تتعلق فقط بالمضمون القانوني لخطوات الضمّ، بل بالإشارات السياسية التي ترسلها، والتي تضع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة في موقع دفاعي داخلي، وتعيد إحياء خطاب التشكيك بشرعية التفاهمات القائمة منذ اتفاقات أبراهام".

وتابعت المصادر قائلة: "نحن ننظر إلى الضفة الغربية كساحة اختبار لاستدامة أي نظام إقليمي جديد، والضمّ بصيغته الحالية لا يخدم أمن إسرائيل على المدى البعيد، ولا يُنتج استقراراً في البيئة المحيطة بها".

وأشارت إلى أن "الانطباع في واشنطن يدور حول أن الحكومة الإسرائيلية تتعامل مع اللحظة الإقليمية كنافذة فرص، في حين أن واشنطن تراها مرحلة عالية المخاطر"، لافتة إلى أن أي إعادة تعريف للوضع القائم دون توافق، سيكون لها انعكاسات على أدوات التعاون الأمريكي–الإسرائيلي، خصوصاً في ملفات حساسة مثل الدفاع الإقليمي والتنسيق الاستخباراتي.

وختمت بالقول إن "ما يُبنى في الضفة لن يبقى معزولاً داخلها، بل سينعكس على صورة إسرائيل الدولية، وعلى قدرتها في الحفاظ على شبكة شراكاتها التي استثمرت فيها واشنطن سياسياً خلال السنوات الماضية".

بدوره، قال مصدر سياسي فلسطيني مطّلع على الاتصالات الإقليمية، إن "المزاج السياسي في المنطقة سيتعامل مع أي خطوة إسرائيلية باتجاه ضمّ الضفة الغربية كعامل تفجيري لا يمكن تمريره بهدوء".

اختبار صعب لصبر الإقليم

ويشير المصدر خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن "عدداً من العواصم العربية بات يعتبر أن الضمّ، سواء بصيغته القانونية أو الإدارية، يُشكل تجاوزاً مباشراً لتفاهمات إقليمية سابقة، ويضرب صدقية الاتفاقات التي وُقّعت مع إسرائيل خلال السنوات الأخيرة".

وبحسب المصدر، فإن هذا التوجه الإسرائيلي "يُقرأ كاختبار سياسي لمدى مرونة الإقليم في التساهل مع فرض وقائع نهائية على الأرض، وهذا ما يثير قلقاً فعلياً في أكثر من عاصمة عربية، لكونه يفتح باباً غير قابل للضبط في العلاقة مع تل أبيب، خصوصاً في ظل هشاشة الملفات الأخرى كملف غزة، وملف الحدود، وتوازنات التطبيع".

وأضاف أن "الحكومة الإسرائيلية قد لا تعلن الضمّ الرسمي، لكنها تقترب فعلياً من حدود استراتيجية تُفهم إقليمياً كتكريس للسيادة من طرف واحد. هذه المعادلة ستقابل بفتور، وربما بجمود معلن أو ضمني في العلاقات السياسية والاقتصادية، حتى لو لم تصدر مواقف صدامية صريحة".

واعتبر المصدر السياسي الفلسطيني، أن "المشروع الإسرائيلي يسعى إلى انتزاع اعتراف بالأمر الواقع دون الحاجة لأي مسار تفاوضي، لكن هذا النوع من المقاربات أحادية الجانب لم يعد يجد المساحة ذاتها من التسامح الإقليمي التي كانت موجودة قبل أعوام".

وبيّن أن "تل أبيب تواصل الرهان على تآكل الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، لكنها تغفل أن هذا التآكل غير مستقر، ويمكن أن ينقلب بسرعة إذا اقترن بسياسات استفزازية تتجاوز الخطوط الحمراء الرمزية. وأي محاولة إسرائيلية لتكريس واقع قانوني جديد في الضفة، خارج الشرعية الدولية، ستُفسَّر كإلغاء ضمني لأي أفق لحلّ الدولتين".

 

اختبار حدود الصمت الدولي

ويبدو أن السؤال المطروح داخل إسرائيل لم يعد إذا ما كان سيتم الضمّ، بل بات السؤال: "كيف ومتى وبأي صيغة؟".

وبين الضمّ كقرار والضمّ كمسار، تتبلور سياسات الأمر الواقع في الضفة الغربية كاستراتيجية حكم جديدة، تتجاوز منطق الاحتلال العسكري نحو سيادة مدنية مقنّعة، تحسم الجغرافيا وتحاصر الديمغرافيا دون الحاجة إلى إعلان دستوري.

وفي ظل الغياب الفلسطيني الفاعل، يبدو أن الصراع لم يعد يدور على حدود 1967، وإنما على حدود النفوذ التنفيذي في خرائط التخطيط، وليس في نصوص القانون الدولي.

وقال الباحث في معهد السياسات الأوروبية ماتياس برونر، إن "إسرائيل تمضي فعلياً في تقويض البنية القانونية التي تُبقي الأراضي المحتلة خارج نظام السيادة الإسرائيلية الرسمي".

وأضاف برونز لـ"إرم نيوز"، أن "ما يجري على الأرض الآن ومنذ أشهر هو توسعة هادئة لنطاق السيطرة المدنية، ودمج تدريجي للمجال الحيوي في الضفة ضمن المنظومة الإدارية الإسرائيلية".

ولفت إلى أن "هذا النوع من الإجراءات يُنتج واقعة سياسية مركّبة؛ فمن جهة لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتهم إسرائيل بانتهاك مباشر للقانون الدولي؛ لأنها لا تعلن الضمّ، ومن جهة أخرى لا يمكن إنكار أن البنية الفعلية للاحتلال تتحول إلى سيادة بحكم التدرج الزمني والمؤسسي. وهذه منطقة ضبابية يصعب التعامل معها دبلوماسياً، لا سيما في ظل أولويات دولية أكثر إلحاحاً في الوقت الراهن".

وتابع بالقول، إن "صانع القرار الإسرائيلي لا يخطط اليوم لخطوة مفاجئة، بل يختبر حدود الصمت الدولي والإقليمي، وهو يراهن على أن المسألة الفلسطينية فقدت مركزيتها في أجندات الإقليم، وأن ردود الفعل الغربية لن تتجاوز بيانات التحذير اللفظية. وقد يكون هذا الرهان صائباً على المدى القصير، لكنه لا يضمن استقراراً سياسياً على المدى المتوسط، خاصة إذا رُبط هذا المسار بانفجارات محلية أو انعطافات في الرأي العام العربي".

وأشار إلى أنه من الناحية الأوروبية، لا تزال المواقف الرسمية متحفظة لكنها تتابع التطورات بدقة.

وتابع: "بعض دوائر صنع القرار الأوروبية تدرك أن استمرار التوسع الإداري دون مسار تفاوضي حقيقي قد يعقّد مستقبل العلاقات المؤسسية مع إسرائيل، خصوصاً في الملفات المرتبطة بالاستثمار والامتيازات التجارية. أوروبا لن تفتح مواجهة، لكنها قد تعيد تعريف العلاقة في ضوء الوقائع الجديدة".

وختم بالقول، إن "إسرائيل تنفذ سياسة مكلفة لكنها محسوبة. ومع ذلك، يبقى الضمّ الصامت عملية لا يمكن ضبط مداها بدقة، وقد تنقلب في أي لحظة إلى عبء سياسي داخلي أو خارجي إذا تزامنت مع تغيّرات في البيئة الإقليمية أو تحولات مفاجئة في واشنطن".

أخبار ذات علاقة

نتنياهو يعانق ترامب في الكنيست اليوم

ما وراء الشكر.. هل قدم ترامب "وعودا خفية" لنتنياهو بشأن ضم الضفة الغربية؟

فراغ فلسطيني

من جهتها، أشارت الباحثة ليلى عصفور، خبيرة العلاقات العربية–الإسرائيلية، إلى أن ما يجري في الضفة الغربية لا يمكن وصفه فقط بأنه تصعيد استيطاني أو إعادة تفعيل لأجندة يمينية تقليدية، بل هو تحول هيكلي في عقل الدولة الإسرائيلية.

وتابعت عصفور لـ"إرم نيوز"، أننا "أمام انتقال تدريجي من نموذج الاحتلال القابل للإدارة إلى نموذج السيادة الإدارية التي تُنتج شرعية بحكم التراكم. الضمّ هنا هندسة جارية تُغلق منافذ العودة دون الحاجة إلى إعلان النهايات".

واعتبرت أن "الأدوات الإدارية التي يجري تفعيلها مثل نقل الصلاحيات من المؤسسة العسكرية إلى الوزارات المدنية، ودمج الإدارة المدنية في البيروقراطية الحكومية، وشرعنة البؤر الاستيطانية تدريجياً، كلها تؤشر على سيرورة ضمّ صامت تُبنى على إزاحة الفلسطيني قانونياً من المعادلة. هذا أخطر من الضمّ الرسمي؛ لأنه يجري دون إثارة الأجسام الدولية، ويصعب مواجهته بأدوات ردّ كلاسيكية".

وأضافت عصفور، أنه "من اللافت في هذا السياق الغياب الفلسطيني الممنهج، ليس فقط على مستوى القيادة، بل على مستوى الرؤية المضادة. لا توجد اليوم استراتيجية متماسكة لمواجهة هذا النمط الجديد من فرض السيطرة، سواء عبر أدوات دبلوماسية أو قانونية أو شعبية. هذا الفراغ صار جزءاً من شروط الضمّ ذاته، بمعنى أن إسرائيل تبني مشروعها في ظل غياب الطرف الآخر كمخاطَب سياسي وحقوقي".

ونوهت بأن "الرهان الإسرائيلي الآن هو على هشاشة اللحظة الإقليمية من خلال التحالفات غير الثابتة، والانشغال العربي بملفات داخلية، وتراجع مركزية القضية الفلسطينية، لكن ذلك رهان محفوف بالخطر؛ لأن الاستمرار في هذه السياسة دون عواقب حقيقية سيحوّل العلاقة مع إسرائيل إلى عبء غير قابل للتسويق".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC