قال مختصون في الشأن العراقي، إن تصريحات مبعوث الرئيس الأمريكي إلى العراق حول نزع السلاح، يتجاوز حدود البيانات المعلنة من الميلشيات المسلحة، ليفتح نقاشاً أوسع بشأن جدية الانتقال من التعهدات السياسية إلى التنفيذ الفعلي، ومدى التزام تلك المجاميع بالقرارات الصادرة عنها.
وخلال الأيام الماضية، تصدرت مواقف مبعوث الرئيس الأمربكي مارك سافايا المشهد السياسي العراقي، بعد تأكيده أن الخطوات المعلنة من بعض الجماعات المسلحة باتجاه نزع السلاح تمثل "تطوراً مرحباً به"، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن التصريحات وحدها لا تكفي، وأن المطلوب هو نزع شامل وغير قابل للتراجع، ضمن إطار وطني ملزم يستند إلى الدستور وسيادة القانون.
وتأتي هذه التصريحات في سياق ضغوط أوسع تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على بغداد، حيث تشير معطيات سياسية إلى أن ملف السلاح بات أحد المحددات الأساسية لشكل الحكومة المقبلة، وطبيعة التعاون الأمني والعسكري مع العراق، فضلاً عن ارتباطه بملفات اقتصادية وتمويلية حساسة.
وعلى الرغم من أن عدداً من قادة الفصائل أعلنوا تأييدهم لمبدأ حصر السلاح بيد الدولة، فإن هذا التأييد لم يرفق حتى الآن بآليات تنفيذ واضحة، أو جداول زمنية محددة؛ ما أبقى الملف في دائرة الغموض.
ويشير مراقبون إلى أن الدعوات السابقة للمرجعية الدينية في النجف، التي طالبت بحصر السلاح بيد الدولة، لم تلق استجابة مماثلة في السنوات الماضية؛ الأمر الذي يثير تساؤلات حول دوافع التحول الحالي وحدوده.
ويرى هؤلاء أن الفارق الجوهري هذه المرة يكمن في طبيعة البيئة السياسية المحيطة؛ إذ باتت الضغوط الخارجية أكثر وضوحاً، وأقرب إلى ربط مباشر بين مسار نزع السلاح ومستقبل العملية السياسية برمتها، فضلاً عن ضمان أغلب الميليشيات حضوراً في البرلمان المقبل بعد أن فازت بنحو 100 مقعد.
في هذا الإطار، قال الباحث السياسي عبدالغني الغضبان إن "الضغوط الأمريكية الحالية تختلف عن سابقاتها من حيث الجدية والربط المباشر بين ملف السلاح ومستقبل الحكومة المقبلة"، مشيراً إلى أن "واشنطن لا تتعامل مع مسألة نزع السلاح بوصفها مطلباً أمنياً فقط، بل كجزء من إعادة صياغة العلاقة مع الدولة العراقية".
وأضاف الغضبان لـ"إرم نيوز" أن "إعلان بعض الفصائل استعدادها لنزع السلاح يؤشر إدراكاً متأخراً بأن كلفة الاستمرار بالسلاح خارج إطار الدولة باتت أعلى من مكاسبه السياسية"، لافتاً إلى أن "نجاح هذا المسار يبقى مرهوناً بقدرة الدولة على فرض آليات واضحة، بعيداً عن التسويات المؤقتة".
ووضعت واشنطن شروطا ضمن قانون التفويض الدفاعي الأمريكي، تتعلق بنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، وتقليص القدرات العملياتية للميليشيات المسلحة غير المندمجة فعلياً ضمن القوات الأمنية العراقية، فضلاً عن تعزيز سلطة القائد العام للقوات المسلحة، ومعالجة تشتت هياكل القيادة.
كما تشمل هذه الشروط محاسبة العناصر المتورطة في أعمال عسكرية خارج التسلسل القيادي الرسمي؛ وهو ما يعكس مقاربة أمريكية ترى أن ازدواجية السلاح والقرار تمثل خطراً مباشراً على الاستقرار الداخلي، وعلى المصالح الأمريكية في المنطقة.
ولا يزال ملف نزع السلاح يواجه تحديات معقدة، أبرزها التداخل بين الميليشيات المسلحة وهيئة الحشد الشعبي، حيث تمتلك غالبية الفصائل ألوية رسمية داخل الحشد، إلى جانب احتفاظها بتشكيلات تعمل خارج الإطار المؤسسي؛ وهو ما يجعل عملية الفصل بين السلاح الرسمي و"سلاح الميليشيات" مهمة شديدة التعقيد.
يضاف إلى ذلك الثقل السياسي الذي تتمتع به هذه القوى داخل البرلمان؛ ما يمنحها قدرة على تعطيل أو إفراغ أي مسار لا ينسجم مع مصالحها، ويجعل المواجهة معها محفوفة بتداعيات سياسية وأمنية.
من جانبه، قال الخبير الأمني حميد العبيدي إن "ملف نزع السلاح لا يمكن أن ينجح عبر الخطابات أو البيانات العامة، بل يتطلب خطة أمنية متكاملة، تتضمن حصر أنواع الأسلحة، ولا سيما الثقيلة منها، وتحديد آليات الاستلام والخزن أو الإتلاف، تحت إشراف مؤسسات الدولة المختصة".
وأوضح العبيدي لـ"إرم نيوز" أن "أي تأخير في وضع هذه الآليات قد يفتح الباب أمام تفسيرات متباينة، وربما صدامات غير محسوبة"، مؤكداً أن "حصر السلاح بيد الدولة يمثل شرطاً أساسياً لاستعادة هيبة المؤسسات، وبناء منظومة أمنية مستقرة".
وأضاف أن "المرحلة المقبلة تحتاج إلى غطاء سياسي وقانوني واضح، وضمانات تشجع الفصائل على الالتزام، مقابل انتقال منظم إلى العمل السياسي وفق قواعد الدستور".