أكد تقرير لمجلة "فورين أفيرز" أن رفع العقوبات عن سوريا، حيث يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، ويحتاج 70% منهم إلى مساعدات إنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، لن يكون كافيًا لإبعاد البلاد عن حافة الهاوية.
وفي حين أن البدء في رفع العقوبات الأمريكية يُعد خطوة أولى مهمة، وقد تعززت بقرار الاتحاد الأوروبي رفع معظم عقوباته على سوريا، فإن ذلك لا يكفي وحده لتهيئة ظروف مواتية للاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه البلاد بشدة.
وتحتاج الولايات المتحدة وشركاء سوريا الآخرون الآن إلى إزالة العقبات المتبقية أمام الاستقرار والتعافي الاقتصادي، والقيام بذلك بسرعة، بدلًا من ترك الضغوط الداخلية والتنافسات الإقليمية تتسبب في تفكك البلاد.
وبحسب المجلة، اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال رحلته إلى الشرق الأوسط في منتصف مايو/أيار، خطوةً استثنائية؛ إذ أعلن أولًا أن الولايات المتحدة ستعلّق جميع العقوبات المفروضة على البلاد، في وقت تمر فيه الحكومة السورية بمرحلة انتقالية صعبة، عقب انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول.
وفي اليوم التالي، التقى ترامب علنًا بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، ووصفه بأنه "شاب وسيم ذو ماضٍ قوي".
وبينما تجنب ترامب، من خلال هذه الخطوات المفاجئة، ما كان من المرجح أن يكون عملية صنع سياسات طويلة ومملة في أي إدارة أمريكية أخرى، كان العديد من السوريين ومراقبي الوضع السوري قلقين، لعدة أشهر، من أن الولايات المتحدة قد لا ترفع عقوباتها عن سوريا أبدًا.
وأشارت المجلة إلى حاجة سوريا المُلحة؛ حيث يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويحتاج 70% منهم إلى مساعدات إنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وبالمعدل الحالي للنمو، سيستغرق الاقتصاد السوري حتى عام 2080 على الأقل ليصل إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان عليه قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 2011.
ولفتت إلى أن الظروف الاقتصادية المتردية تفاقمت بسبب العنف والتوترات الطائفية التي اندلعت منذ سقوط نظام الأسد، حيث أبدى أفراد من العلويين والدروز وغيرهم من الطوائف عدم قناعتهم بوعود الشرع بحماية الأقليات.
ويُضاف إلى ذلك التدخل الخارجي، بما في ذلك من إسرائيل التي شنت أكثر من 700 غارة على سوريا واستولت على أراضٍ داخلها، مما أدى إلى تعميق عدم الاستقرار.
وتابعت المجلة أن العقوبات ليست العقبة الوحيدة التي تُهدد بزعزعة استقرار سوريا؛ فمنذ الإطاحة بنظام الأسد، برزت منافسةٌ لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية في هذا البلد المُنهك.
فعلى سبيل المثال، ضغطت إسرائيل على الولايات المتحدة للإبقاء على العقوبات، والسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية في البلاد.
وفي المقابل، تحاول تركيا، التي أعلنت عن خطة للتفاوض على اتفاقية منطقة اقتصادية خالصة مع سوريا، تُحدد الحدود البحرية وتمنح كل دولة حقوقًا حصرية في استكشاف واستغلال الموارد، بما في ذلك النفط والغاز، تعزيز نفوذها.
ورغم أن مثل هذه الاتفاقية قد تعود بمنفعة اقتصادية على سوريا، فإنها قد تُؤجّج النزاعات القائمة حول الحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، ما يضع سوريا في صراع محتمل مع جيرانها.
وأردفت المجلة أنه لكي تتولى سوريا مسؤولية دفاعها الذاتي، بما في ذلك تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب، ستحتاج إلى موارد اقتصادية ومساعدة دولية لإعادة بناء وتوحيد أجهزتها العسكرية والأمنية.
وفي حين أن سوريا محاطة بقصص تحذيرية عن سوء الإدارة بعد الصراع، تُظهر التجارب السابقة في إعادة الإعمار حول العالم أن الشفافية والشمولية في صنع القرار الحكومي هما أفضل علاج للفساد والركود الاقتصادي وسائر التحديات الشائعة في الدول التي تمر بمرحلة تعافٍ.
وخلصت المجلة إلى أن إنهاء العقوبات الأمريكية خطوة تُعطي السوريين فرصة حقيقية للتغيير؛ وللحفاظ على هذه الفرصة، يجب على إدارة ترامب البناء على الزخم الحالي وضمان وفاء الحكومة الأمريكية بوعدها، ومنع الأطراف الفاعلة في سوريا والمنطقة من إفساد هذه العملية.
وبينما كان رفع العقوبات الخطوة المحورية الأولى نحو انتقال مستقر ومثمر في سوريا ما بعد الأسد، يجب ألا تكون الأخيرة.
