بعد سنوات من العزلة، تتوجه بعثة من صندوق النقد الدولي إلى سوريا، لتقييم الأوضاع المالية والاقتصادية، في سياق جهود دولية لدعم إعادة تأهيل الاقتصاد، بعد إعلان وزارة الخزانة الأمريكية رسميًّا رفع العقوبات على سوريا.
وبحسب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، جهاد أزعور، ستطّلع البعثة على واقع المؤسسات السورية، بما في ذلك المصرف المركزي ووزارة المالية وهيئات الإحصاء، لتحديد الحاجات والدعم التقني المطلوب، وتأمين المشورة وتدريب الكوادر الأساسية.
ويأتي التواصل بين موظفي الصندوق ومسؤولي المؤسسات الاقتصادية السورية، بعد انقطاع دام 16 عامًا من العقوبات؛ ما أحدث فجوة في البيانات والمعلومات عن واقع الاقتصاد السوري.
ويعد الاقتصاد السوري شبه مدمر، وتشير بعض التقديرات إلى أن كلفة إعادة الإعمار تصل إلى أكثر من 400 مليار دولار، فيما اعتبر تقرير أممي أن الاقتصاد السوري يحتاج 55 عامًا ليعود إلى المستوى الذي كان عليه عام 2010.
ويبدو أن سوريا مضطرة للجوء إلى صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على المال لإعادة الإعمار، ولكن، يتخوف اقتصاديون سوريون من تحول دعم الصندوق إلى فخ للاقتصاد مستقبلًا، في ظل تجارب غير ناجحة للمؤسسة الدولية مع العديد من دول المنطقة.
ويقول الباحث الاقتصادي سامي عيسى، إن الصندوق يمارس رقابة مباشرة على السياسات العامة العريضة للحكومات، ويصفه البعض بمؤسسة فوق قومية مهيمنة على الكثير من الدول، خاصة تلك التي سقطت في فخ المديونية.
ويضيف لـ"إرم نيوز": "المديونية أصبحت استثمارًا اقتصاديًّا وسياسيًّا من قبل الدول الكبرى، وخصوصًا عندما تطبق على الدول العربية التي أصبحت ساحةً للصراعات الدولية والإقليمية. ولا مجال للدول الواقعة تحت ثقل الديون، إلا الاستدانة مجددًا لإيفاء الدين".
وتبعًا للمبالغ الكبيرة التي تتطلبها إعادة الإعمار والنهوض مجددًا بالاقتصاد السوري، فإن المصادر القادرة على توفيرها تتحدد بـ"دول الخليج، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، إضافة للبنوك الدولية"، كما يقول عيسى.
ويضيف: "ربما من الأفضل الحصول على الدعم المالي العربي، بالدرجة الأولى، أما بالنسبة لقروض البنك الدولي، فلا بدَّ من دراستها جيدًا حتى لا تقع سوريا في فخ المديونية".
أما الباحث الاقتصادي عيد العلي، فيرى أن الدمار الضخم في الاقتصاد السوري، وحجم الأموال المطلوبة للنهوض مجددًا، يفرضان على الحكومة اللجوء للبنك الدولي، صاحب الكتلة المالية الكبرى.
ويضيف: "إذا تم اتباع سياسات اقتصادية رشيدة، يمكن الاستفادة من الكتلة المالية للبنك الدولي عبر القروض، إضافة إلى تدريب المهارات وإعداد الكوادر الإدارية الخبيرة التي سيتولى البنك تدريبها".
ومنذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، "الرخصة العامة 25 لسوريا"، التي تسمح بإجراء المعاملات المالية مع البنوك السورية؛ ما جعل خيار الاقتراض من البنك الدولي يقفز للواجهة.
ويقول العلي إن التركيز على المشاريع الإنتاجية واستثمار الثروات الوطنية، يجب أن ينال الأولوية القصوى لدى الحكومة، أما بالنسبة لقروض البنك الدولي فيمكن أن تكون رديفة وليست أساسية في عملية تعافي الاقتصاد السوري.
ويبدو أن سنوات طويلة من التقشف بانتظار السوريين، إذا تم الاعتماد بشكل أساس على قروض البنك الدولي، كما يرى العلي.
ويقول: "صندوق النقد الدولي يؤثر بقوة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ويعتمد مبدأ "لبرلة الاقتصاد" والتقشف لضمان سداد الديون. ويجب ألا نتوقع ولادة انفراجات اقتصادية هائلة خلال وقت قريب".