تدفع فرنسا والمملكة المتحدة ودول غربية نحو إحياء المشروع لإنهاء الصراع الطويل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وهو "حل الدولتين"، في وقت "محبط" مع بلوغ الحرب في قطاع غزة مستوى غير مسبوق من القتل والدمار، لكنه لا يخلو من أمل فلسطيني متجدد في الذهاب نحو هذا الخيار.
وعلى أرض الواقع، يبدو حل الدولتين أبعد من أي وقت مضى، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فالثقة بين الشعبين تتراجع إلى أدنى مستوياتها التاريخية، مع تصاعد الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، وهي بلا شك أعنف جولة حرب في الصراع المستمر منذ قرن.
حتى استطلاعات الرأي، التي كانت تشير باستمرار في تسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى دعم الأغلبية على كلا الجانبين لحل الدولتين، أظهرت في السنوات الأخيرة أن أقلية فقط من الإسرائيليين والفلسطينيين تؤيد الفكرة، أو تعتقد أنها قابلة للتنفيذ عمليًا.
وخلال العقد الأخير الدامي، الذي شهد عدة حروب كانت أشدها حرب السابع من أكتوبر 2023، فقد السياسيون الذين يدعون إلى السلام من خلال تقسيم الأرض نفوذهم على جانبي الصراع، ولا يعتقد سوى قلة من الإسرائيليين أو الفلسطينيين أن الإعلانات الدولية ستُحدث فرقًا يُذكر في تغيير هذا المسار.
وتنقل "وول ستريت جورنال" عن ديانا بوتو، المفاوضة الفلسطينية السابقة في مفاوضات السلام، قولها عن فكرة الدولتين إنها "قد اندثرت منذ زمن بعيد"، محيلة ذلك إلى "عدم وجود إرادة سياسية لتحقيقها".
تعترف حتى الآن 149 دولة بفلسطين كدولة، بما في ذلك معظم دول العالم النامي، وحتى وقت قريب، كانت معظم الحكومات الغربية تُصرّ على أنها لن تُقدم على هذه الخطوة، إلا بعد توصل القادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى اتفاق بشأن حل الدولتين.
لكن لم تكن هناك محادثات سلام جادة منذ أكثر من عقد من الزمان، ليتزايد نفاد صبر المجتمع الدولي إزاء غياب أي عملية سلام بشكل حاد منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول والحرب في غزة، حيث أدت الخسائر البشرية المستمرة إلى احتجاجات في العديد من البلدان الغربية.
ومن غير المرجح أن يؤدي الاعتراف بفلسطين إلى تسريع إنهاء الحرب في غزة أو تغيير اتجاه السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث عززت تل أبيب وجودها العسكري وعجّلت ببناء المستوطنات.
في الشهر الماضي، احتفل وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، بالموافقة على بناء كتلة استيطانية جديدة في قلب الضفة الغربية، باعتبارها عائقًا ماديًا أمام حل الدولتين.
"سيتحدثون عن حلم فلسطيني، وسنواصل بناء واقع يهودي"، كما قال سموتريتش وهو يؤكد أن "هذا الواقع يدفن أخيرًا فكرة الدولة الفلسطينية، لأنه لا يوجد ما يستحق الاعتراف به، ولا أحد يستحق الاعتراف به"، وفق تعبيره.
وفي المقابل، يرحّب كثير من الفلسطينيين برمزية الاعتراف الدولي، لكنهم لا يعتقدون أنه سيُحدث تغييرًا ملموسًا في حياتهم، بل إنهم يرون خطر رد فعل إسرائيلي قاسٍ.
كذلك رأى مصطفى البرغوثي، السياسي الفلسطيني المؤيد لحل الدولتين، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سيتسغل هذا الاعتراف لتنفيذ إجراءات ميدانية أسرع لضم الضفة الغربية، ووصف إعلانات الاعتراف الغربية بأنها "ضئيلة ومتأخّرة للغاية".
وعندما اعترفت إسبانيا والنرويج وأيرلندا ودول أخرى بفلسطين في مايو/ أيار 2024، قالت تسامي رمضان، وهي ناشطة فلسطينية من منطقة نابلس: "عُوقبنا هنا في الضفة الغربية بمزيد من نقاط التفتيش، والقيود على حركتنا".
كان تقسيم الأرض بين إسرائيل وفلسطين، على طول الحدود تقريبًا قبل الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، الهدف النهائي لاتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي، وهي أكثر الجهود استدامة لتحقيق السلام.
لكن تضاءل الدعم لحل الدولتين بعد فشل المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة في عامي 2000 و2008، ولم يُطرح بديل واضح، كما لم تحظَ أفكار الكونفدرالية أو الدولة ثنائية القومية بأي زخم.
ويخشى بعض الإسرائيليين من أنه حتى من دون الضم الرسمي، فإن الوضع يتجه نحو دولة واحدة بحكم الأمر الواقع، حيث لن يتمتع اليهود بأغلبية ديموغرافية واضحة، ولن تكون لهم السيطرة السياسية إلا إذا لم يتمكن السكان الفلسطينيون من التصويت.
وقال جلعاد كاريف، النائب عن حزب الديمقراطيين اليساري وأحد السياسيين اليهود القلائل الذين يؤيدون بشدة حل الدولتين: "لا يوجد حل بديل" للتقسيم إذا ما أُريد لإسرائيل أن تبقى دولة يهودية وديمقراطية.
وأضاف: "إما خطة سموتريتش، التي لن تقضي على الفلسطينيين، بل ستقضي على الحلم الصهيوني بإسرائيل، أو علينا استئناف المفاوضات".