كشف مصدر أمني عراقي عن تحركات جديدة للقوات الأمنية قرب الحدود مع سوريا، عقب تحذيرات أطلقتها السفارة الأمريكية في بغداد بشأن نشاط متزايد لتنظيمي "داعش" و"القاعدة" في المنطقة.
وأوضح المصدر، الذي طلب حجب اسمه لـ"إرم نيوز"، أن "بغداد اتخذت جملة إجراءات عاجلة، بينها تعزيز القوات على الشريط الحدودي، ورفع مستوى الإنذار في محاور الأنبار ونينوى، فضلاً عن تواصل رسمي مع قوات سوريا الديمقراطية 'قسد' بشأن العملية ومصير قيادات داعش المحتجزين لديها، وإمكانية تسلمهم في السجون العراقية".
وأكد أن "القوات العراقية أخذت تحذيرات السفارة الأمريكية على محمل الجد، وأصدرت القيادة أوامر مباشرة بتكثيف الطلعات الجوية ونشر وحدات إضافية من الجيش وحرس الحدود"، لافتاً إلى أن "التقديرات تشير إلى محاولات حقيقية للتسلل وإعادة تشكيل بعض الخلايا في البادية الممتدة نحو سوريا".
ويأتي ذلك بعد تحذيرات السفارة الأمريكية في العراق، السبت الماضي، من توسع أنشطة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، إلى جانب تنامي نفوذ تنظيم "القاعدة".
وأكدت السفارة، في بيان نشرته على منصة "أكس"، قلقها "العميق إزاء العمليات المستمرة والتوسعات الإقليمية لهذه التنظيمات"، مشيدة بدور الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي واصلت الضغط لمكافحة الإرهاب في المنطقة.
وتتزامن هذه التطورات مع بدء انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة "عين الأسد" في الأنبار، ونقل جزء من المعدات إلى أربيل، ضمن اتفاق الإطار الموقّع مع بغداد، والذي ينص على إنهاء المهام القتالية للتحالف الدولي والاكتفاء بدور التدريب والدعم الاستخباري.
وتشير مصادر أمنية إلى أن القاعدة قد تُغلق نهائياً منتصف أيلول/سبتمبر المقبل، مع إبقاء بعض المنظومات الدفاعية تحت إشراف فني مؤقت.
ويرى مختصون في الشأن الأمني أن تزامن التحذيرات الأمريكية مع خطوات الانسحاب يثير حساسية إضافية، خصوصاً مع استمرار هشاشة الوضع في بعض المناطق الغربية والشمالية.
بدوره، أكد الخبير الأمني حميد العبيدي أن "التحذيرات الأخيرة تعكس قلقاً مشروعاً، لكنها لا تعني بالضرورة عودة وشيكة لداعش إلى سابق قوته".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "العراق يواجه تهديدات حقيقية من خلايا متناثرة في وادي حوران وحمرين والبادية السورية، لكن قدرات الأجهزة الاستخبارية وتعاونها مع التحالف الدولي قلّصت من خطر هذه المجموعات".
وأوضح أن "الانسحاب الأمريكي إذا لم يُدار بتنسيق كامل قد يترك فراغاً تستفيد منه التنظيمات الإرهابية أو بعض القوى المحلية"، مشيراً إلى أن "الخيار الأمثل يتمثل في استمرار الشراكة الاستخبارية والجوية، حتى في ظل تقليص الوجود العسكري المباشر".
وتعود خلفية هذا الانسحاب إلى اتفاق أُبرم بين بغداد وواشنطن يقضي بإنهاء مهام التحالف وتحويلها إلى شراكة تقتصر على التدريب وتبادل المعلومات، بحلول نهاية 2026.
وبرغم الاتفاق المبرم بين الطرفين، فوجئت القوى السياسية العراقية ببدء نقل معدات ثقيلة من "عين الأسد" من دون إعلان مسبق أو بيان مشترك مع بغداد؛ الأمر الذي اعتبرته أطراف خطوة أحادية الجانب، فيما رأت أطراف أخرى أنها استكمال لاتفاقات قديمة.
ومارست الميليشيات المسلحة خلال الأشهر الماضية ضغوطاً سياسية وعسكرية متواصلة لإجبار الحكومة على إنهاء وجود التحالف، معتبرة أن بقاء أي جندي أمريكي يشكل "انتقاصاً من السيادة".
ويرى مختصون أن جزءاً من الانسحاب الحالي يُقرأ كرسالة تهدئة لهذه الميليشيات أكثر مما هو التزام أمريكي بحت.
في المقابل، تبدي قوى سنية وكردية قلقها من تداعيات انسحاب القوات الأمريكية، خشية أن يؤدي الفراغ إلى تمدد الميليشيات الموالية لإيران في المحافظات الغربية والشمالية، وتعتبر هذه الأطراف أن غياب التوازن في معادلة القوة قد ينعكس سلباً على الاستقرار المحلي ويهدد أمن السكان.
ويرى خبراء أن العراق ما زال بحاجة إلى دعم جوي واستخباري لملاحقة التنظيمات الإرهابية، رغم تحسن قدرات قواته البرية، فالتنظيم، بحسب التقديرات، لم يعد يملك القدرة على السيطرة الجغرافية كما في السابق، لكنه يظل خطراً كامناً يمكن أن يظهر في عمليات خاطفة داخل مناطق وعرة.