أكدت مصادر أمنية وسياسية لبنانية رفيعة المستوى، أن هناك "كشف حساب" للأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، في حوزة مجموعة من القيادات داخل الميليشيا اللبنانية.
يأتي ذلك على أثر ما وصفته القيادات بـ"الفشل" في تعامله مع الأزمات، وتراكم الأخطاء المتعلقة بمنصبه ودوره، وعدم قدرته على التعامل مع العديد من الملفات في صدارتها ملف النازحين من الجنوب، مما يهدد "البيئة الحاضنة" وصولاً إلى سياساته التي أبعدت أقرب الحلفاء والمتمثلة في حركة أمل وزعيمها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وأوضحت المصادر لـ"إرم نيوز"، أن الانقسام "الصامت" داخل التنظيم قائم ما بين عدم تقديم تعويضات وإعانة معيشة لأسر وعائلات القيادات والعناصر، التي تسقط في جنوب لبنان على يد إسرائيل، على عكس ما كان يجري في سنوات سابقة.
إلى جانب حالة غضب بين تشكيلات ووحدات ميدانية، ترى "محسوبية" في ترقي قيادات وعناصر نقلوا إلى مناصب عسكرية ومدنية عليا، ويحصلون على مزايا مالية، على أساس صلات قرابة مع قيادات عليا حول قاسم.
وقال مصدر أمني لبناني رفيع المستوى، إن الانقسام حاضر بقوة في حزب الله، في ظل تراكم الأزمات والأخطاء، وسبل التعاطي من الأمين العام ، مما جاء بـ"كشف حساب" من قيادات داخل الميليشيا، تريد أن تصدرها سواء لطهران التي تتحكم في المناصب القيادية أو لجمهور التنظيم، حتى يكون هناك تدارك لما يمكن تصحيحه، وسط التخبط الكبير على مستوى الصف الأول.
وبيّن لـ"إرم نيوز"، أن ما وصفه بـ"كشف الحساب" لنعيم قاسم، ناتج عن قيادة مضطربة، وعدم قدرته على تدارك المشهد الصعب الذي تمر به الميليشيا، في الوقت الذي قام بتكوين فريق حوله من القادة العسكريين والعناصر الميدانيين الذين ترقّوا وتركوا مواقعهم في الجنوب والبقاع في مرمى الضربات والنيران الإسرائيلية، وتواجدوا في أماكن غير خطرة، وحصلوا على مزايا مالية، وهو ما أحدث غضباً ونوعاً من الانقسام في المجلس الجهادي والوحدات العسكرية والنوعية.
وذكر المصدر أن هذا الانقسام قائم بشكل كبير على أثر سقوط قيادات وعناصر في مواقع للميليشيا بجنوب لبنان وخلال دوريات، ولم يقدم تعويضات أو تأمين معيشة لأسرهم، وهو ما يجعل قادة وعناصر ميدانيين يرون أنهم معرضون للهلاك ولن يكون هناك من يتكفل بعائلاتهم كما كان يحدث في سنوات سابقة.
ولفت إلى أن هناك حالة غضب بين تشكيلات ووحدات، ترى أن من كانوا معهم في الكهوف والمزارع في عمليات عسكرية، ارتقوا إلى مواقع مدنية عليا، على أساس أن هناك صلات قرابة مع قيادات حول نعيم قاسم.
وذكر المصدر، أن الملف الذي أصبح قنبلة موقوتة لمستقبل حزب الله، ما يعاني منه قطاع كبير من البيئة الحاضنة التي نزحت من الجنوب سواء بعد الحرب أو مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، حيث لا توجد لهم بنود إعاشة لهم من التنظيم، ليصل الحال بالكثير منهم، للجلوس على الطرقات في بيروت ومدن أخرى، بعد أن كان لهم منازل ومزارع وأعمال في قراهم.
بدوره رأى مصدر سياسي لبناني، أن نقطة ضعف التنظيم، حالياً، هي نعيم قاسم، وتجعل الحزب بين نارين، لأنه في ظل وجود رغبة من قادة وساسة بارزين بحزب الله في أن يكون هناك بديل له في أقرب وقت، هناك مخاوف في الوقت ذاته، بأن يتسبب التغيير في انقسام وشرخ أكبر وظاهر، خاصة في هذا التوقيت، في حين أن الإبقاء على نفس السياسية القائمة، تجعل الميليشيا تدفع ثمناً أغلى، بخروج جانب كبير من البيئة الحاضنة عنها.
وأفاد لـ"إرم نيوز"، بأن سياسات قاسم، وعدم التزامه بالسياسات المتفق عليها مع حلفائه، أبعدت أقربهم والذي يشاركه فيما يعرف بـ"الثنائي الشيعي"، أي حركة أمل، التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وبحسب المصدر، فإن قاسم استلم، من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024، وعلى مدار 14 شهرًا، لم يكن بقدر المستوى في التعامل السياسي بالدرجة الأولى، وهو ما جاء بتنسيق منخفض المستوى مع الشريك الشيعي حركة أمل ، لدرجة أن هناك خلافات واسعة من جانب نبيه بري مع تصرفات متعددة من الميليشيا فيما يتعلق بخطط وجوانب كانت متعلقة بعملية نزع السلاح.
من جهته، قال الباحث السياسي اللبناني، عبد الله نعمة، إن هناك غضباً من جناح واسع في حزب الله تجاه قيادات بالتنظيم وعلى رأسهم نعيم قاسم الذي تتصاعد مطالب بتغيره، بسبب تصرفات على رأسها نوعية خطابه وتأثيره على الداخل اللبناني، وأنه يعزل البيئة الحاضنة عن بقية المكونات، وهو ما يجعل "مواطن قوة" على حد وصفه في الحزب، ترى أن هذا المنحى يفصلهم عن الجسم اللبناني.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن عدم القدرة على التعامل مع حركة النازحين من الجنوب واستيعاب هذا الملف، أحدث انشقاقاً كبيراً، ليأتي بعدها فشل التنظيم في الدفاع عن نفسه بعد الحرب، وسط أصوات تؤكد على ضرورة المضي مع الدولة في تسليم السلاح والفوز بالفرصة التاريخية بترسيخ وجوده كحزب سياسي وليس كتنظيم عسكري.
ومضى نعمة قائلة: لكن القسم القوي الذي على رأسه نعيم قاسم، يستند على قوة الرضوان، والارتباط الوثيق والمباشر بالحرس الثوري، لا يريد تسليم الترسانة، حتى لو على حساب فناء قطاع كبير من البيئة الحاضنة.
وأشار إلى أن خطاب الأمين العام لحزب الله، بات استفزازياً لقسم كبير من البيئة الشيعية في ظل اعتبار قطاع لا بأس به منها، أن عدم اطلاعه على الوزن العسكري للتنظيم بعد الحرب، وفي نفس الوقت، تصعيده اللغة في أوقات ليس في محلها، أعطى ذريعة للاحتلال بضرب قرى جنوبية والتي تحتوي جانباً من المجتمع القريب منه.
ونوه نعمة إلى أن الأمين العام لم يستطيع إدارة الأزمة المالية الكبيرة لحزب الله على أرض الواقع، حيث إن هناك عشرات الآلاف من النازحين الذين هُجّروا من 40 بلدة في الجنوب، لا يجدون الالتزام من التنظيم بتوفير المأوى ومعاش لاستئجار منازل لهم على الأقل، لاسيما أن خروجهم من قراهم كان على أثر العدوان الإسرائيلي الذي يستهدف سلاح الحزب.