logo
العالم العربي

بعد مواجهته مع إسرائيل.. هل فقد "حزب الله" سلاحه؟

بعد مواجهته مع إسرائيل.. هل فقد "حزب الله" سلاحه؟
مقاتلون من "حزب الله" على الحدودالمصدر: رويترز
27 يناير 2025، 5:09 م

يشهد لبنان تحركات جدية لنزع سلاح الفصائل الفلسطينية في البلاد، مما يزيد الضغط على "حزب الله" لتسليم سلاحه، في حين يرى خبراء أن الحزب يدرك أن استئناف القتال مع إسرائيل في الوقت الحالي هو قرار خاسر، وأن معركته الحقيقية هي في الداخل اللبناني الذي يطالبه بتسليم السلاح.

أعلن البيت الأبيض، الأحد، تمديد وقف إطلاق النار حتى 18 فبراير/شباط المقبل، بعد أن كان من المقرر أن تنتهي مهلة اتفاق إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" في يوم الإعلان الأمريكي عن تمديدها في 26 يناير/كانون الثاني.

كان الاتفاق نص على مهلة 60 يوماً تبدأ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكي تسحب إسرائيل قواتها من جنوب لبنان، ويزيل "حزب الله" أي وجود عسكري له جنوب نهر الليطاني؛ تطبيقاً لقرار مجلس الأمن 1701 الذي صدر لإنهاء حرب لبنان في 2006.

أخبار ذات علاقة

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال استقباله ماكرون

عشية انتهاء المهلة.. مساع فرنسية لتثبيت وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل

 وفي المقابل، أعلنت الحكومة اللبنانية التزامها بتمديد المهلة، بعدما حاول المئات من اللبنانيين من سكان القرى الجنوبية العودة إلى قراهم التي لا تزال تحت سيطرة القوات الإسرائيلية، بينما أطلقت الأخيرة النار على هؤلاء المدنيين ليسقط عشرات القتلى والجرحى.

أزمة كبرى

يرى مراقبون أن هذا المشهد يخفي أزمة أكبر بكثير، خصوصاً بالنسبة للبنان و"حزب الله"، باعتبار أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه منذ شهرين كان بالدرجة الأولى محاولة للسماح لإسرائيل بالتركيز على العمليات في قطاع غزة للتوصل لاتفاق يطلق سراح الأسرى الإسرائيليين قبيل عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وبحسب هؤلاء المراقبين، فإنه منذ التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" تغير وجه المنطقة بالكامل؛ ففي سوريا سقط النظام الذي حكم البلاد 54 عاماً، وكان له نفوذ كبير في الشؤون اللبنانية، وبسقوطه أيضًا، توقف الشريان الحيوي للسلاح الذي اعتمد عليه "حزب الله" قرابة أربعة عقود. 

أخبار ذات علاقة

ميساء صابرين

سوريا.. قرار بتجميد الحسابات البنكية للشركات والأفراد المرتبطين بنظام الأسد

  تغييرات داخل لبنان

التغييرات في سوريا والعالم، مع عودة إدارة ترامب المعروفة بتشددها تجاه إيران ودعمها غير المشروط لإسرائيل، أطلقت تغييرات داخل لبنان نفسه، فقد انتخب مجلس النواب اللبناني في 9 يناير/كانون الثاني الجنرال جوزيف عون رئيساً للجمهورية. عون كان قائداً للقوات المسلحة اللبنانية، وقد اشتهر بحرفيته وحرصه على حماية المؤسسة العسكرية اللبنانية وحماية مؤسسات الدولة اللبنانية والحفاظ على علاقات لبنان الدولية، خصوصاً مع الدول العربية والغربية.

وهذا ما جعل "حزب الله" ينظر إليه دائماً بكثير من الريبة. وبعيد أدائه القسم الدستوري، أكد عون حق الدولة اللبنانية في احتكار حمل السلاح؛ مما يعني إطلاق معركة سلاح "حزب الله" في الداخل اللبناني.

تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية، في 13 يناير/كانون الثاني، كان ضربة ثانية لحزب الله؛ فتكليف سلام جاء دون حصوله على أصوات أي من نواب "الثنائي الشيعي" – حزب الله وحركة أمل.

سلام هو قاض ودبلوماسي مخضرم، ويعرف عنه تبنيه تصورا يقول بضرورة تطبيق لبنان للقرارات الدولية المختلفة، وتطبيق برامج الإصلاح المالي والإداري التي تطالب بها المؤسسات المالية الدولية والمانحون الدوليون لكي يستطيع لبنان تجاوز أزمته المالية المستمرة منذ عقود، والتي تفاقمت على نحو خاص منذ 2019. هذه التطورات التي ظهرت خلال الشهرين الماضيين جعلت حزب الله في مواجهة تحديات غير مسبوقة، ترتقي لمستوى التحديات الوجودية.

المواجهة الخاسرة مع إسرائيل

حصيلة المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أظهرت أن الحزب فقد عوامل تفوقه العسكري التي ظهرت في حرب لبنان الثانية، وتلك التي لوح بها في السنوات الماضية؛ فقد فشل "حزب الله" في إرسال مقاتليه في هجمات عابرة للحدود، وهو السيناريو الذي كرر التهديد به لسنوات. وقد تعرضت "قوات الرضوان"، وهي وحدة النخبة لدى "حزب الله"، للاستنزاف واغتيل قائدها وأغلب مساعديه الكبار حتى قبل أن تبدأ الحرب.

الحياة الاجتماعية في إسرائيل

كما فشل سلاح الصواريخ والطائرات المسيرة لدى "حزب الله" بتعطيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل؛ نتيجة تطور مظلة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتعددة الطبقات، التي نجحت باعتراض القسم الأكبر من الهجمات الصاروخية والجوية من لبنان.

الخروقات القليلة لمظلة الدفاع الجوي الإسرائيلي لم تدفع الرأي العام الإسرائيلي إلى حالة اليأس التي ظهرت خلال حرب 2006، بل كانت استطلاعات الرأي الإسرائيلية تظهر في الأيام السابقة لاتفاق وقف إطلاق النار أن غالبية الإسرائيليين يفضلون متابعة الحرب حتى إزالة تهديد الحزب بالكامل على الجبهة الشمالية.

إذاً، فشل مسعى "حزب الله" في استنزاف الرأي العام الإسرائيلي، على عكس تجاربه السابقة، ولعل هذا ما يفسر أن "حزب الله" تجنب في الأسابيع الأخيرة إطلاق أي تهديد لإسرائيل إن هي لم تطبق اتفاق وقف إطلاق النار وتسحب قواتها من الجنوب. كما تجنب "حزب الله" تهديد إسرائيل حتى بعد مقتل وجرح عشرات المدنيين الموالين له خلال محاولتهم العودة إلى قراهم، في 26 يناير/كانون الثاني.

المشكلة التي يواجهها "حزب الله" اليوم في الميدان العسكري مع إسرائيل هي أن الكفة تميل بجلاء لصالح إسرائيل. ومع إيقاف إطلاق النار في قطاع غزة، ووصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض وتقديمها دفعات جديدة من الأسلحة والذخائر لإسرائيل، يصبح موقف "حزب الله" ضعيفاً بشكل غير مسبوق.

عمليات "حزب الله"

من الناحية السياسية والمعنوية، أطلق حزب الله عملياته في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأعلن أنه لن يتوقف إلى حين التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار في غزة. والآن إذا ما استأنف عملياته فلن يكون بوسعه طرح هدف واضح لهذه العمليات.

ومن ثم سيكون يقاتل دون غاية سياسية، ولا يستطيع تبرير استمرار القتال أمام جمهوره وأمام الحكومة اللبنانية.

أما من الناحية العسكرية، يدرك "حزب الله" أنه لا يمتلك فرصة لتحقيق نتائج أفضل مما ظهر في جولة الاشتباك الأخيرة، بل إن الكفة تميل بشكل أكبر لصالح إسرائيل التي ستتوفر لها قوات أكبر مع توقف الحرب في غزة. ويدرك حزب الله تحديداً أنه سيحتاج إلى سنوات عدة من العمل لاستيعاب ما حصل في جولة الاشتباك الأخيرة ولمحاولة تطوير تقنيات عسكرية جديدة تتعامل مع التقنيات العسكرية الإسرائيلية. 

التحدي الوجودي يبقى داخل لبنان

ولكن محاولة التحضير للحرب المقبلة هي أسهل على الورق مما هي عليه على أرض الواقع. اليوم يفتقر "حزب الله" للغطاء الرسمي اللبناني الذي وفر الشرعية لسلاح حزب الله، واعتبره مكملاً لقدرات القوات المسلحة اللبنانية وفق معادلة "الجيش-الشعب-المقاومة".

أداء "حزب الله" العسكري الأخير في مواجهة إسرائيل أضعف مزاعمه حول كون سلاحه ركناً أساسياً في معادلة دفاع لبنان عن نفسه. والجيش اللبناني بدوره نأى بنفسه منذ فترة غير قصيرة عن هذه المعادلة.

وليس من التفاصيل العابرة أن الجيش اللبناني، المشارك رسمياً في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الحالي مع إسرائيل، لم يصدر أي بيان رسمي حتى الآن يقول إن "حزب الله" نفذ المطلوب منه، وأزال سلاحه من منطقة جنوب الليطاني. غياب مثل هذا الموقف من الجانب الرسمي اللبناني يعزز حجة إسرائيل في رفضها الانسحاب من جنوب لبنان لعدم تنفيذ الاتفاق. 

موقف "حزب الله" في الداخل اللبناني سيصبح أضعف إلى حد بعيد في الفترة المقبلة. ففي 18 يناير/كانون الثاني، عقدت "لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني" اجتماعاً في السراي الحكومي، بمشاركة مختلف الفصائل الفلسطينية، لمناقشة سلاح المخيمات الفلسطينية. وفي 21 يناير/كانون الثاني، أعلن التوصل لتفاهم لإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، تمهيداً لنزعه من داخل المخيمات نفسها مستقبلاً.

الاتفاق، بحسب تصريحات المصادر اللبنانية، يدعم مسعى الدولة اللبنانية لاحتكار حمل السلاح ونزع سلاح التنظيمات اللبنانية نفسها، في إشارة واضحة لسلاح "حزب الله". كان حزب الله استفاد سابقا من وجود سلاح المنظمات الفلسطينية للتغطية على وجود سلاحه.

فهذه المخيمات احتفظت بالسلاح منذ نهاية الستينات، ولم تتخلَ عنه حتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ولكن يبدو الآن أن تجربة الحرب الأخيرة في لبنان وتجربة حرب غزة دفعت المنظمات الفلسطينية لتغيير مقاربتها وإبداء مرونة في هذا الملف.

هذه المرونة ستحرج "حزب الله" الذي يواجه أيضاً تحديات اقتصادية ومالية أمام بيئته الحاضنة، وتجعله أقل قدرة على تحدي الدولة اللبنانية.

فعلى عكس حرب العام 2006، لم تتدفق مساعدات مالية كبيرة من إيران حتى الآن، ولم تتعهد دول الخليج العربي بإعادة بناء قرى الجنوب اللبناني. والأزمة المالية اللبنانية ستجبر الحكومة المقبلة، فور تشكلها، على تطبيق القرارات الدولية التي تقيد أنشطة حزب الله المالية، وتلزم المصارف اللبنانية بالشفافية.

الخلاصة:

يدرك "حزب الله" أن استئناف المواجهات مع إسرائيل اليوم هو قرار خاسر بكل تأكيد، وأن معركته الوجودية هي في الداخل اللبناني أولاً.

ولهذا من المرجح أن يضع تركيزه على الداخل بالعمل على مسارات مختلفة، بين هذه المسارات محاولة ثني الفصائل الفلسطينية عن نزع سلاحها لأطول فترة ممكنة. وكذلك محاولة إيجاد تبرير داخلي للاحتفاظ بسلاحه، مثل تصاعد التوتر على الحدود السورية-اللبنانية، أو حتى عودة خطر تنظيم "داعش".

ومن المرجح كذلك أن يعود "حزب الله" لاستخدام تكتيكاته القديمة التي ظهرت في فترة 2005-2008 والمتمثلة بالتمترس بالمدنيين الموالين له، ودفعهم نحو تحركات احتجاجية وإقامة خيام للاعتصامات قرب المقار الحكومية.

ومن غير المستبعد أن يدفع حزب الله المدنيين الموالين له نحو خطوات غير مسبوقة مثل قطع طريق مطار بيروت وقطع الطرق الرئيسة المؤدية إلى العاصمة اللبنانية.

تكتيك تحريك العصيان المدني نجح في الماضي، وضمن لحزب الله وحلفائه الحصول على الثلث المعطل في التشكيلة الحكومية في اتفاق الدوحة في مايو/أيار 2008. ولكن لا يوجد أي ضمانات لنجاح هذه التكتيكات اليوم، إلا أنها بين الخيارات القليلة المتاحة لـ"حزب الله".

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC