شهدت مدينة الزاوية في ليبيا تجددًا للاشتباكات المسلحة بين الميليشيات المتنافسة على النفوذ، في وقت لزمت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الصمت.
وأفاد مصدر أمني ليبي مطلع لـ"إرم نيوز" بسماع دويّ إطلاق نار كثيف في المدينة، مشيرًا إلى إغلاق طرق بسواتر ترابية، فيما أشعل مسلحون النار في إطارات السيارات لإغلاق "كوبري الخضرة" في المدينة.
وذكر المصدر، الذي تحدّث شريطة عدم ذكر هويته، أنّ حالة من الرعب خيمت على السكان خاصة أن اشتباكات اندلعت قبل أيام أدت إلى مقتل طفل ومسلحين آخرين.
وعلق الخبير العسكري الليبي، اللواء عادل عبد الكافي، بأنّ مدينة الزاوية ظلت على مدار الأشهر الماضية مسرحًا لعمليات الطيران المُسير التابع لحكومة الوحدة الوطنية لملاحقة عناصر الجريمة المنظمة.
وأكد أن هناك شبكة ممتدة على الأراضي الليبية لعصابات الجريمة المنظمة المرتبطة بشبكات دولية في مالطا وإسبانيا ودول أخرى.
وتابع عبد الكافي في تصريح لـ"إرم نيوز": "هناك بين الحين والآخر صراعات على مناطق نفوذ وممرات تهريب سواء للمهاجرين أم الوقود، وهذا لا يقتصر على مدينة الزاوية بل يشمل مناطق أخرى في غرب البلاد حيث ما زالت هناك عناصر تعمل لصالح شبكات للجريمة المنظمة" وفق تعبيره.
وشدد على أنّ "ليبيا تعاني من انفلات أمني شديد وتدفق للسلاح، وما يحدث في الزاوية يعكس صراع نفوذ بين الجماعات المسلحة التي تحاول بسط سيطرتها على الممرات الحيوية لتوفير طرق آمنة للتهريب والهجرة غير النظامية وبعض المواد المخدّرة".
وبحسب عبد الكافي فإنّ حكومة الوحدة الوطنية تسعى للقيام بعمليات بالطيران المسير وإرسال قوات عسكرية للحدّ من انتشار هذه المجموعات.
من جانبه، ذكر المحلل السياسي، الدكتور خالد محمد الحجازي، أنّ الاشتباكات المسلحة في مدينة الزاوية تتجدّد بشكل لافت، حتى باتت المدينة من أكثر النقاط سخونة في الغرب الليبي.
وقال إن "بين كل جولة وأخرى تظهر تفسيرات كثيرة حول الأسباب، لكن حين ننظر بعمق إلى ما يجري، نجد أن القضية أعقد من مجرد خلاف محلي أو احتكاك عابر بين مجموعات مسلحة".
وأضاف الحجازي لـ "إرم نيوز" أنّ "الزاوية ليست مدينة عادية في حسابات القوى المسلحة، فهي تُعد عقدة استراتيجية اقتصاديًا وجغرافيًا، فيها المصفاة، والميناء، والطريق الساحلي، كما تُعتبر نقطة عبور مهمة لشبكات تهريب الوقود والمهاجرين".
وأوضح أن "هذه الموارد القانونية وغير القانونية جعلت المدينة ساحة مفتوحة لصراع النفوذ"، مؤكدًا أن "المجموعات الموجودة هناك لا تتنافس على أرض فقط، بل على مصادر مالية ضخمة تُغذّي قدرتها على البقاء والتوسع".
ولفت إلى أنّ "الكثير من التقارير تشير بوضوح إلى أن التهريب، خاصة تهريب الوقود والاتجار بالبشر، أصبح اقتصادًا موازيًا تدور حوله شبكة مصالح كبيرة داخل المدينة".
وأضاف أنه "مع غياب سلطة مركزية موحَّدة قادرة على فرض القانون، تجد الجماعات المسلحة نفسها في ساحة مفتوحة لإعادة تشكيل ميزان القوى كلما شعرت بتهديد أو فرصة".
ويرى الحجازي أنّ "تجدد القتال هو غالبًا مرتبط بإعادة رسم خطوط النفوذ أو السيطرة على نقاط استراتيجية لها علاقة بالتهريب أو بالمصفاة أو بالميناء أو حتى الطرق المؤدية إليهما، وهذه ليست معارك سياسية بقدر ما هي صراع على من يملك المورد".
وبحسب الحجازي، فإن مدينة الزاوية "غارقة في صراع نفوذ اقتصادي وأمني، والميليشيات تتعامل معها باعتبارها بوابة موارد ضخمة، لا يمكن التنازل عنها بسهولة".
وقال إنه "لهذا السبب تتجدد الاشتباكات كل فترة، وللسبب نفسه يصعب أن تهدأ الأوضاع دون وجود سلطة موحدة قادرة على فرض قواعد واضحة على الجميع".