أعادت حادثة منطقة السيدية في بغداد، ملف العلاقة المتشابكة بين الحشد الشعبي والميليشيات المسلحة إلى الواجهة، بعد اشتباك مسلح داخل دائرة حكومية وسقوط قتلى وجرحى.
واندلع الاشتباك، صباح الأحد داخل دائرة الزراعة في الكرخ، بعد محاولة المدير الجديد للدائرة تسلم مهامه رسمياً، بينما رفض المدير السابق، المحسوب على ميليشيات كتائب حزب الله مغادرة موقعه.
وتصاعد التوتر عندما تدخلت قوة لحماية المسؤول المقال، تبعتها مجموعة مسلحة حاولت اقتحام المبنى، ما أدى إلى اشتباك مع القوات الأمنية أسفر عن مقتل شخصين وإصابة آخرين، واعتقال 14 شخصاً.
وأعادت الحادثة إلى الشارع العراقي الجدل بشأن طبيعة الحشد الشعبي، والتمييز الصعب بين ألوية الدولة، والميلشيات المسلحة المتغلغلة في داخله، ورغم أن الحشد يعد هيئة رسمية، إلا أن جزءاً كبيرًا من تشكيلاته ما زال يخضع لولاءات سياسية وعقائدية تتجاوز الحدود الوطنية.
مؤسسة ضاغطة
بدوره، يرى الباحث في الشأن السياسي عبدالله الركابي، أن "هذه المؤسسة تحولت إلى رقم ضاغط داخل جسد الدولة العراقية، وباتت تشكّل تهديداً لا يستهان به في الداخل والخارج".
وأضاف الركابي لـ"إرم نيوز"، أن "الخطورة لا تتعلق فقط بتقاطع الحشد مع سلطة القانون، بل بتبنيه أيديولوجية إيرانية تهدد الأمن الإقليمي والدولي"، لافتاً إلى أن "الفاعل السياسي المهيمن لا يدرك حجم هذا التهديد، رغم الرسائل التي وصلت من واشنطن، ودول الجوار، وحتى المرجعية الدينية التي دعت أكثر من مرة لإنهاء ملف السلاح المنفلت".
وكان الحشد الشعبي قد تأسس في صيف 2014 بفتوى "الجهاد الكفائي" التي أطلقها المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني، عقب اجتياح تنظيم داعش مدنا عراقية، لكنه ضم ميليشيات مسلحة كانت موجودة قبل داعش، وهي قوى تحتفظ بأذرع مسلحة وولاءات خارجية، وتُتهم بتنفيذ أجندات إيرانية على حساب السيادة العراقية.
تمويل رسمي للميليشيات
ومع الوقت، تحول الحشد إلى مظلة لمجموعة من التنظيمات التي تعمل باسم الدولة، لكن دون أن تلتزم بقيودها، إذ جرى توزيع الألوية بناءً على اعتبارات سياسية وطائفية، لا عسكرية أو مهنية؛ ما فتح الباب أمام الفوضى والانفلات.
في هذا السياق، قال الخبير الأمني رياض الجبوري، إن "الميليشيات المرتبطة بأحزاب وقوى ولائية باتت تُمسك بزمام الحشد فعلياً، وتستخدمه كغطاء للتمويل والسلاح والسلطة".
وأضاف الجبوري لـ"إرم نيوز" أن "الدولة العراقية تنفق أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً على هيئة الحشد، إلا أن هذه الأموال لا تخضع للرقابة، وغالباًَ ما تنتهي في حسابات فصائل لا تلتزم بأوامر القائد العام، بل تتلقى توجيهاتها من جهات خارجية".
وتتهم الولايات المتحدة عددا من الفصائل المنضوية في الحشد بالإرهاب؛ إذ سبق أن أدرجت كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء على لائحة الإرهاب، رغم أنها تعد رسمياً ألوية ضمن الهيئة؛ ما زاد من تعقيد العلاقة بين بغداد وواشنطن، ووضع العراق في زاوية حرجة دولياً.
انفجارات أكبر
وبعد الحرب الإيرانية – الإسرائيلية كثفت واشنطن من ضغطها على حكومة السوداني لإعادة هيكلة الحشد الشعبي وضبط فصائله، خصوصاً بعد الهجمات المتكررة التي نُسبت إلى جماعات مرتبطة بالحشد ضد مصالح أميركية، ومنشآت نفطية في إقليم كردستان.
وتتزامن هذه الضغوط مع خطوات داخلية متعثرة لتعديل قانون الحشد أو إعادة هيكلته، وسط انقسام سياسي حاد بين القوى المؤيدة لبقائه بصيغته الحالية، وتلك التي تطالب بدمج فصائله بشكل نهائي في الجيش أو تفكيكها بالكامل.
وفي ظل غياب قرارات حاسمة، يرى مختصون أن حادثة السيدية تمثل إنذاراً جديداً، يسبق ربما انفجارات أكبر في العلاقة بين الدولة والقوى المسلحة، خصوصاً في موسم انتخابي حساس، حيث تسعى كل جهة لتثبيت حضورها في الميدان قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع.