تدحرجت الحرب الإسرائيلية التي بدأت بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 لتشمل جبهات إضافية، أوقعت فيها إسرائيل المحور الذي تقوده إيران في أزمة إستراتيجية، على مدار عامين من الحرب.
وبعد أن قرر حزب الله فتح "جبهة إسناد" لقطاع غزة من الأراضي اللبنانية، تطورت المواجهة المحدودة مع إسرائيل إلى حرب شاملة، أجبرت الحزب على القبول باتفاق لوقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لا يشمل غزة.
وتلقى الحزب خسائر فادحة في صفوف قياداته وعناصره، كان أبرزها مقتل أمينه العام حسن نصر الله، الذي كان يُنظر إليه على أنه "العقل المدبر" لِما كانت تطلق عليه إيران "محور المقاومة".
وهدفت إيران من خلال هذا المحور إلى ترسيخ إستراتيجية "وحدة الساحات" التي تقضي باعتبار الهجوم على أي طرف في المحور سببًا لمشاركة الجميع في التصدي له، وإقامة "طوق ناري" حول إسرائيل لمنعها من شن أي هجوم على إيران التي كانت تمضي بخطوات حثيثة لتطوير برنامجها النووي.
لكن هذه الإستراتيجية تفككت تدريجيًّا خلال عامين من الحرب بعد إضعاف حركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وتوجيه ضربة لتشكيلات عسكرية تابعة لهما في الضفة الغربية، وتحييد حزب الله، وسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وتوجت إسرائيل خطتها لتفكيك إستراتيجية "وحدة الساحات" بتوجيه ضربة عسكرية لإيران نفسها، في يونيو/حزيران الماضي، أقنعت واشنطن بالانضمام لها لاحقًا لتعميق الضرر بمنشآت إيران النووية.
وبينما يثير هجوم الـ7 من أكتوبر الذي شنته حماس دون إشعار حلفائها التساؤلات حول صلابة هذا المحور من الأساس، يرى مختصون أنه تلقى ضربة إستراتيجية أحبطت مشروع "الناتو الإيراني" الذي كانت طهران تريده درعًا لحمايتها من أي هجوم، ودفعت لأجله مليارات الدولارات لحلفائها على مدار سنوات طويلة.
المحلل السياسي فريد أبو ضهير، قال إن "إسرائيل وجهت ضربة إستراتيجية قوية لمحور إيران وإستراتيجية وحدة الساحات، وعطلت التنسيق بين فصائل المحور، وأجبرت حزب الله على التراجع وإعادة الحسابات، رغم إعلانه السابق مواصلة دعم غزة".
وأضاف أبو ضهير لـ"إرم نيوز": "الضربة الإسرائيلية لإيران لم تكن متوقعة من طهران، إذ لم تتوقع أن تجرؤ تل أبيب على خطوة قد توسع الحرب، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أقدم على الضربة بذريعة التهديد الوجودي".
وتابع أن "الخيارات أمام محور المقاومة أصبحت محدودة، مع تحديات كبيرة تستدعي إعادة تقييم وبناء قدرات المواجهة، لكنها لن تكون سهلة أو سريعة بسبب الضغوط الإسرائيلية والدولية".
واعتبر أبو ضهير أن الضربة الإسرائيلية لإيران لم تُنهِ مشروع "وحدة الساحات" بالكامل، لكنها أضعفته وأثرّت في التنسيق بين قواه؛ ما يوجب إعادة الحسابات.
وقال إن "احتمال توحيد الجبهات لا يزال قائمًا على المدى المتوسط أو البعيد، لكنه مرتبط بإرادة الأطراف وقدرتها على تجاوز الضربات الأخيرة".
وأشار إلى أن الظروف المرتبطة بجاهزية بعض الفصائل العراقية، لتكون ضمن المحور أصبحت أيضًا محل جدل.
وأكد أبو ضهير أن مشاركة جماعة الحوثي في اليمن في المحور تظل محدودة بسبب ظروفها الجغرافية والمعيشية والسياسية، رغم ما نفذته من عمليات ضد الملاحة البحرية وعمليات إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
بدوره، قال المحلل السياسي والخبير بالشأن الإسرائيلي، نظير مجلي، إن "محور إيران يواجه ضرورة ملحة لإعادة حسابات شاملة بعد الخسائر الفادحة على الصعيدين العسكري والدولي، عقب الضربات المؤثرة للمحور".
وذكر مجلي لـ"إرم نيوز" أن "محور المقاومة بحاجة لإعادة حسابات تشمل وقف بعض المشاريع وفتح قنوات حوار، خاصة بين إيران والغرب لتجنب تصعيد جديد"، معتبرًا أن قيادة المحور بحاجة لإعادة نظر في إستراتيجياتها لتفادي خسائر إضافية.
وأضاف أن "محور إيران يعاني تناقضاتٍ وضعفَ تنسيقٍ، مع مواقف غير متماسكة كما ظهر في تصريحات متباينة بين حزب الله وحماس بشأن خطة ترامب، ويفتقر لرؤية إستراتيجية واضحة ويواجه أزمات ممتدة".
وحول إمكانية ترميم إيران لإستراتيجية "وحدة الساحات" مرة أخرى، قال مجلي إن "إسرائيل ليست فقط مستعدة، بل تمتلك قوة جديدة تفكر بعمق في مواجهة متعددة الجبهات لمنع حدوث ذلك".