مصدر دبلوماسي أوروبي: خطة الضمانات الأمنية تحظى بدعم إدارة ترامب
أعاد مركز أبحاث أمريكي مؤيد لإسرائيل إحياء مقترح "ممر داود" المثير للجدل، والذي يربط بين أقليات سوريا الجغرافية، في خطوة يرى مراقبون أنها تُنذر بتفكيك البلاد وسط اضطرابات إقليمية ومفاوضات حساسة بين دمشق وتل أبيب.
بحسب تقرير نشرته منصة "Medium"، جدّد "منتدى الشرق الأوسط"، ومقره فيلادلفيا، دعوته لإقامة ما يُعرف بـ"ممر داود"، وهو ممر بري يربط بين الطائفة الدرزية في جنوب سوريا والمناطق الكردية الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في الشمال.
ويعيد هذا المقترح إلى الأذهان دعوات سابقة لتعزيز تحالف استراتيجي بين الدروز والأكراد، اللذين لطالما اعتُبرا من قِبل إسرائيل "حلفاء طبيعيين".
"حلفاء طبيعيون"
وقال الباحث الكردي لقمان رادبي، في مقال نشره على موقع المنتدى: "الأكراد والإسرائيليون حلفاء طبيعيون، لكن لا يوجد رابط مباشر بينهم. هذا الممر سيُحدث فرقاً، وسيخلق جسراً آمناً يربط إسرائيل بالأكراد والدروز، ويشكّل حاجزًا واقيًا ضد المجازر المقبلة، وعدم الاستقرار الإقليمي، والتهديدات لأمن إسرائيل".
وأضاف رادبي أن فكرة الممر تنعكس ضمنيًا في خريطة "الشرق الأوسط الجديد" التي عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 2023.
"يقوض وحدة سوريا"
غير أن منتقدين للمبادرة يرون فيها تصعيدًا خطيرًا في الصراع الإقليمي وخطوة تقوّض سيادة سوريا وتدفع نحو تقسيمها.
وقال العقيد السابق في الجيش السوري والمحلل العسكري أحمد حمادة إن "هذا الممر سيقوّض وحدة الأراضي السورية، ويعزلها عن العراق والأردن، ويجرّدها من ميزات استراتيجية واقتصادية مهمة“.
طُرحت فكرة "ممر داود" لأول مرة قبل أكثر من 10 سنوات على يد وليد فارس، السياسي اللبناني الأمريكي والمستشار السابق للرئيس دونالد ترامب. وكانت رؤيته تقضي بإنشاء ممر بري محمي من الولايات المتحدة يمتد من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل إلى مناطق الأكراد في الشمال، استنادًا إلى قناعة بأن الأكراد والدروز يطمحون إلى حكم علماني بعيد عن "الإسلاموية"، ويشكّلون بطبيعتهم حلفاء لإسرائيل.
ويأتي تجديد "منتدى الشرق الأوسط" لهذا الطرح بعد اندلاع اشتباكات دامية مؤخرًا في مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، بين فصائل درزية وبدوية من جهة، وقوات النظام من جهة أخرى.
وأسفرت المواجهات، وفق تقارير، عن مقتل المئات، بل حتى الآلاف بحسب بعض التقديرات. وردّت إسرائيل على هذه التطورات بشن غارات استهدفت وزارة الدفاع السورية في دمشق ومواقع في الجنوب، بهدف دفع القوات السورية إلى الانسحاب من المدينة.
مخاطر جيوسياسية
عزّزت إسرائيل، بدعم من شخصيات درزية داخل أراضيها وأخرى في المجتمع الدرزي السوري، من خطابها الذي يصوّرها كـ"حامية" للدروز والأكراد. هذا التوجّه آخذ في التأثير على توجّهات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي تسعى لمنع انتشار القوات السورية في الجنوب، في إطار استراتيجية غير معلنة تهدف إلى إضعاف حكومة الرئيس أحمد الشرع، الذي تولّى السلطة بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويُذكر أن الشرع، الذي كان ينتمي سابقًا إلى تنظيمات متشددة، بينها "القاعدة"، أعلن مرارًا منذ تولّيه السلطة أنه لا يسعى إلى مواجهة مع إسرائيل، ولن يسمح باستخدام الأراضي السورية كمنصة لهجمات ضدها.
لكن رغم هذه التصريحات، واصلت إسرائيل غاراتها الجوية منذ سقوط الأسد، مركّزة على تدمير البنية التحتية العسكرية السورية. ويعتقد بعض المحللين أن "ممر داود" قد يمتد ليشمل إقليم كردستان العراق، ما يعقّد الحسابات الإقليمية ويزيد من المخاطر الجيوسياسية.
وفي هذا السياق، حذّرت تركيا، التي تسيطر على منطقة عازلة شمال سوريا لمنع قيام كيان كردي مستقل، من أي خطوة تمهّد لتقسيم البلاد. وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الأسبوع الماضي: "نحذر الجميع: لا ينبغي لأي طرف أن يتخذ خطوات تهدف إلى تقسيم سوريا"، مؤكّدًا أن أنقرة ستتعامل مع الأمر كتهديد للأمن القومي.
تطويق دمشق
وفي حال تنفيذ المشروع، سيُنشئ الممر تواصلاً جغرافيًا يمتد من الجولان المحتل إلى مناطق الدروز والأكراد؛ ما يعني تطويق دمشق وعرقلة محاولات إيران استعادة نفوذها في مرحلة ما بعد الأسد. كما أنه سيوفّر ممرًا لوجستيًا محتملاً لإسرائيل والولايات المتحدة وشركائهما، ويمنح إسرائيل تأثيرًا على الموارد المائية الحيوية المتمثّلة في نهري دجلة والفرات.
وجاء تجدّد الاهتمام بالممر عقب دعوة أطلقها حكمت الهجري، عضو القيادة الروحية الدرزية في سوريا، والوحيد الذي يُعرف بتأييده لإسرائيل، لفتح طريق يربط السويداء بمناطق الشمال التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، الذراع المحلية للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش".
واستجابت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، المسؤولة عن إدارة مناطق "قسد"، للدعوة الأسبوع الماضي، معلنة إرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى السويداء "بدافع الواجب الإنساني والأخلاقي“.
لكن مفاوضات "قسد" مع حكومة الشرع بشأن مستقبل العلاقة بين الطرفين ما تزال متعثرة، إذ ترفض القوات الكردية الاندماج في الجيش السوري كأفراد، وتصر على الحفاظ على كيانها كقوة موحدة.
ترقب إسرائيلي
وفي تطوّر زاد من الشكوك حول تخلّي الشرع عن ماضيه المتشدّد، نشرت وسائل إعلام كردية هذا الأسبوع صور بطاقات هوية حكومية سورية مؤقتة، قيل إنّها صادرة لقيادي كبير في تنظيم "داعش"، ضياء زوبع مصلح الحرداني، الذي قُتل الأسبوع الماضي على يد القوات الأميركية، إضافةً إلى اثنين من أبنائه.
وفي ظلّ هذه التوترات، يرى مراقبون أن الكرة الآن في ملعب الرئيس الشرع، وأن عليه اتخاذ خطوات ملموسة تتجاوز الرمزية لضمان إشراك الأقليات، كالأكراد والدروز، في مستقبل سوريا الموحدة.
وقال الصحافي والمحلل المتخصص في الشأن السوري، مايكل يونغ: "إلى أن يحدث ذلك، ستظل فكرة التقسيم حاضرة في الخلفية، وستبقى إسرائيل مترقبة“.