يواجه ولاء دروز الجولان السوري المحتل لوطنهم الأم سوريا اختبارًا قاسيًا، في ظل أسابيع من الاقتتال الطائفي في جنوب البلاد.
وكشفت الأحداث الأخيرة عن انقسامات عميقة في قيادة الحكومة السورية المؤقتة، وأثارت تساؤلات حول قدرتها على تحقيق التماسك الوطني.
فعلى مدار عقود، حافظ نحو 27 ألف درزي في مجدل شمس والمناطق المحيطة بها على ارتباط وجداني وثقافي وثيق بسوريا، رغم خضوعهم للسيطرة الإسرائيلية منذ حرب عام 1967.
وقد رفض معظمهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية، مؤكدين انتماءهم إلى سوريا.
إلا أن هذا الانتماء بدأ يتزعزع مؤخرًا، بحسب تقرير نشرته منظمة ”الإذاعة الوطنية العامة“ في الولايات المتحدة.
فقد اندلعت في تموز اشتباكات عنيفة في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، بين فصائل درزية وقبائل بدوية وقوات موالية للحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص، بينهم عدد كبير من المدنيين. وقد أدت هذه التطورات إلى شعور بالإحباط وخيبة الأمل لدى دروز الجولان.
ومنذ ذلك الحين، واجهت حكومته صعوبات في فرض سيطرتها على البلاد، في ظل مقاومة من مجموعات الأقلية، بما فيها الفصائل الدرزية والمقاتلين الأكراد.
وفي السويداء، اعتُبرت محاولات الحكومة نزع سلاح المقاتلين الدروز واحتواء حوادث الخطف بين القبائل البدوية والمليشيات الدرزية تحركات منحازة.
ووجهت اتهامات للقوات الحكومية بالانحياز للقبائل البدوية.
وبحسب الموقع، دفعت الاشتباكات عشرات المدنيين الدروز إلى عبور الحدود الخاضعة لرقابة مشددة باتجاه الجولان، حيث سمحت السلطات الإسرائيلية بمرورهم عبر منطقة تُعرف باسم "تلة الصراخ"، والتي لطالما كانت نقطة تجمع للأسر المفصولة بين جانبي الحدود.
وقال "السيد أحمد"، وهو خباز من مجدل شمس، إن أبناءه الأربعة توجهوا إلى سوريا أثناء القتال لتقديم المساعدة لأقاربهم.
وأضاف: "أحضرنا الطعام والدعم المالي... كان لا بد من مساعدتهم".
وأكد كثيرون من دروز الجولان أن شعورهم بالأمان بات مهددًا. وقال معاذ شعار، مدير مطعم محلي: "الشرع بحاجة إلى طمأنة الدروز بأنهم جزء أساسي من المجتمع. عليه أن يفرض الأمن والاستقرار ولكن بأسلوب يحترم الناس.“
وقد تفاقمت التوترات في آذار الماضي، عندما وُجهت اتهامات لقوات تابعة للحكومة السورية المؤقتة بارتكاب مجازر في الساحل السوري، أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 شخص من الطائفة العلوية. وتنفي الحكومة أن تكون القيادة العسكرية قد أمرت بتلك العمليات.
وتزداد تعقيدات المشهد مع دخول إسرائيل على خط الأزمة، إذ شنت منذ كانون الأول الماضي ضربات جوية استهدفت مواقع سورية، بما فيها مواقع في السويداء.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في تموز: "مصالحنا في سوريا معروفة ومحدودة: أولًا الحفاظ على الوضع القائم جنوب سوريا، وثانيًا حماية أبناء الطائفة الدرزية.“
وقد أثارت الضربات الإسرائيلية انقسامًا داخل مجدل شمس. فرحب بها البعض، واعتبروها دعماً مباشراً.
وقال جميل بريق: "لدينا أبناء دروز في الجيش الإسرائيلي. أنا أقاتل معهم، وهم يقاتلون معي".
بينما حذر آخرون من أن الظهور بمظهر المقربين من إسرائيل قد يجعل الدروز هدفًا أكبر داخل سوريا.
وقال وائل طربيه، الباحث في منظمة المرصد لحقوق الإنسان بالجولان: "هذا الخطاب يسمّم الأجواء ويغذي الكراهية بين السوريين.“
وفي خطاب علني عقب اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء، تعهد الشرع بمحاسبة المسؤولين عن العنف.
وأكد أن "أي محاولة لتقسيم الشعب السوري أو تهميش مكوناته تمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار البلاد“، لكن كثيرين في مجدل شمس رأوا في تلك التصريحات مجرد وعود جوفاء. فقد عمّق العنف الانقسامات الطائفية وبدد الثقة في الحكومة المؤقتة.