خلقت الأحداث الأخيرة التي شهدتها السويداء تحولاً جوهرياً في موازين القوى السورية، حيث أضعفت بشكل ملحوظ موقف دمشق، بينما عززت مكانة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" كفاعل رئيس في المعادلة السياسية والأمنية، بحسب ما أكد خبيران متابعان للشان السوري.
ويعزو الخبيران هذا التحول إلى عدة عوامل رئيسة، في مقدمتها فقدان الثقة بين المكونات السورية المختلفة بعد أحداث السويداء، مما دفع العديد منها إلى البحث عن حماية "قسد" بدلاً من الاعتماد على الحكومة المركزية.
كما أن التدخل الإسرائيلي المباشر في الجنوب السوري، بحسب التحليلات، أعطى دفعة قوية لموقف "قسد" التفاوضي، خاصة مع تزامن هذه التطورات مع زيارة مظلوم عبدي إلى باريس إلا أنها تبقى مؤشراً على تعزيز الدور الدولي للإدارة الذاتية.
وأكد عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا عماد مجول أن أحداث السويداء المؤسفة، أدت إلى زعزعة أركان الحكومة السورية المؤقتة التي كانت قد حسمت أمرها باستعادة المناطق كلها بالقوة، وفق قوله.
وأضاف لـ "إرم نيوز" أن أحداث السويداء أخذت مجمل القضايا الأخرى على محمل الجد، سواء المواقف الدولية أو الموقف الشعبي، في وقت كان الجميع بحاجة إلى إعادة بناء الثقة، لكن بعد ما حدث مع "الدروز"، لم يعد هناك بصيص أمل من الثقة، خاصة ما بين المكونات السورية الأخرى التي طالتها الانتهاكات، وطالبت بحماية دولية.
وأوضح السياسي الكردي أن "كل مكونات الشعب السوري الآن تبحث عن بارقة أمل كي تنقذهم مما يحدث لهم، وهذا المنقذ بالنسبة لهم هي (قسد) التي أخذت على عاتقها حماية الشعب السوري في شمال وشرق سوريا، والآن من قبل المحافظات السورية التي تعاني الانتهاكات"، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن هذه التطورات تمنح الثقة لـ"قسد" ولكن بالوقت نفسه تثقل كاهلها، وتجد نفسها معنية بحماية الشعب السوري مما يتعرض له.
وتطرق السياسي إلى زيارة الجنرال مظلوم عبدي على رأس وفد من شمال وشرق سوريا إلى باريس، حيث تأجلت الاجتماعات على خلفية تدخل أطراف أعاقت حدوث ذلك من قبل تركيا، حيث كان يجب أن يتم، يوم الجمعة (25 يوليو)، وفق قوله.
من جانبه، قال الباحث السياسي إبراهيم كابان إن "النظام القائم في دمشق كان يعتمد على مسألة اطمئنانه على الوضع في الساحل السوري بعد المجازر التي تعرض لها، واطمأن على وضع الجنوب السوري بعد عدة اتفاقيات شفوية مع إسرائيل".
وأضاف لـ "إرم نيوز" أن ما "حصل في السويداء غيّر المعادلة كلياً، في ظل اعتقاد النظام أنه انتهى من المسائل كلها؛ ومن ثم يتجه شرقي سوريا، بينما كانوا يتجهزون للضغط على الأكراد وإعطائهم أقل ما يمكن من الحقوق، لكن الآن الوضع مختلف تماماً والموقف الكردي أصبح قوياً"، بحسب قراءته.
وأشار إلى أن التدخل الإسرائيلي عسكرياً في الجنوب السوري إلى جانب السويداء غيّر بدوره الأوضاع، بالتالي إن "قوات قسد اليوم باتت في موقع قوة وأي عملية تفاوض مع دمشق ستنطلق من موقف قوي"، وفق قوله.
وأوضح كابان أن "موقف العلويين، وبعدهم المسيحيين، والآن الدروز، وربما الأكراد وتراجع الموقف الدولي، إلى جانب تمديد قانون قيصر، هذا كله يضع النظام الحالي أمام خيار وحيد وهو إشراك جميع المكونات السورية في عملية تشكيل الدولة السورية الجديدة، وبناء هوية تعددية".
واختتم الباحث الكردي حديثه بالقول، إن العامل المزعزع، الآن، هو الضغط التركي على دمشق من جهة، وعلى قوات "قسد" من جهة، لكن هذا الأمر لن ينجح لأن الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الأخرى، خاصة فرنسا، تعمل على تغيير الوضع، وإشراك الجميع في حكم الدولة من خلال لا مركزية موسعة، وفق قوله.