بعد شهر على جلستها "غير المسبوقة" التي أقرت "حصر السلاح بيد الدولة"، تلتئم الحكومة اللبنانية مجدداً، يوم غدٍ الجمعة، لبحث خطوات الجيش اللبناني في تطبيق ذلك القرار، وهو الذي أعلن، مؤخراً، أنه بدأ التنفيذ الفعلي للخطة بدءاً من المخيمات الفلسطينية.
وعشية الجلسة الحكومية جاء الإعلان عن زيارة مرتقبة، يوم الأحد المقبل، للمُوفدة الأمريكية مورغان أورتاغوس إلى بيروت برفقة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجديد الأميرال براد كوبر، وهي الأولى له منذ تسلّمه منصبه قبل أقل من شهر. وهو الذي سيبحث الخطة أيضاً مع الجيش اللبناني، خاصة أن "الورقة الأمريكية" هي الأساس الذي استندت إليه الحكومة في قرار "حصرية السلاح".
وفي واقع تتصاعد فيه أصوات الداعين إلى نزع سلاح ميليشيا "حزب الله"، وصارت فيه الغارات الإسرائيلية على لبنان حدثاً يومياً على لبنان، دون أن تلقى رداً من "حزب الله" أو من الجيش، تشير المعطيات إلى أن تحولات عميقة بدأت تتبلور، وتشكل ضغطاً لم يعهده الحزب في السابق، يضاف إلى العوامل الداخلية بعد أقسى خسارة يتعرض لها منذ تأسيسه.
وللمرة الأولى، يجد "حزب الله" نفسه أمام مواجهة مع قرار رسمي صادر عن الحكومة التي هو جزء منها، (وإن بتمثيل متواضع)، بالتالي لن يكون قادراً على التعامل مع القرار على أنه "وجهة نظر" لفريق سياسي، كما كان يحدث سابقاً.
وفي تعامله مع الحكومة، كانت سياسة "حزب الله" تجعله ممسكاً بالقرارات المهمة بشأن سلاحه، دون أن يكون له دور فاعل فيها، وذلك عبر الإصرار على بند في البيان الحكومي يمنح الشرعية الحكومية لسلاحه ضمن ما يصفها بمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة".
تلك الشرعية جعلت من الصعب على الحكومة، سابقاً، أن تتخذ قراراً يمس سلاح الحزب، لأنها تقر بشرعيته.
وكان أول ما فعلته حكومة نواف سلام هو "الإطاحة" ببند "سلاح المقاومة" في بيانها الوزاري، لتضع بدلاً عنه بنداً ينص على "حصر السلاح بيد الدولة".
وجاء ذلك بموافقة "حزب الله" الذي كان يعاني ضربات قاسية جعلته يخسر أبرز قياداته السياسية والعسكرية.
التحول الكبير في الموقف الداخلي الذي جعل الحكومة تتبنى قراراً بذلك الحجم، جاء في وقت يتعرض فيه الحزب لضربات يومية، وتوغل القوات الإسرائيلية إلى الداخل اللبناني، إضافة إلى بقائها فيما تُعرف بـ"النقاط الخمس" التي صارت تستخدمها ورقة ضغط لدفع الحزب إلى التخلّي عن سلاحه.
ووسط جدل بدأه الحزب بمطالبة إسرائيل بأن تنسحب من لبنان قبل أي نقاش عن السلاح، أعلنت إسرائيل بالمقابل أنها لن تنسحب من النقاط الخمس إلا بعد نزع السلاح، وهي مفارقة أشار إليها لبنانيون بالقول إن "حزب الله" الذي دخل حرباً من أجل غزة، سيخسر سلاحه مقابل لا شيء، لأن توغل إسرائيل إلى تلك النقاط كان من نتائج تلك الحرب.
ولم تكن خسارة "حزب الله" في لبنان فقط، إذ إن سقوط أبرز حلفائه في سوريا، وتوغل إسرائيل إلى المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، شكل واحدة من الخسائر الكبرى التي بدلت في موازين القوى، إذ إن الحزب لم يخسر طرق الإمداد عبر سوريا فحسب، بل خسر أيضاً الوجود الإيراني فيها، قبل أن تتلقّى إيران أيضاً ضربات قاسية.
وحين زار المبعوث الأمريكي توماس باراك، بيروت، في 19 يونيو الماضي، كان يحمل خطة صارت تُعرف باسم "ورقة باراك" أو "الورقة الأمريكية"، وهي خريطة طريق بخطوات محددة وصولاً إلى نزع السلاح على أن يتم ذلك قبل نهاية العام الجاري.
وتضمنت الخطة وعوداً بدعم مالي دولي لإعادة الإعمار، وانسحاب إسرائيل، مقابل نزع السلاح.
وكان التدخل الأمريكي واضحاً وصارماً، منذ المهلة التي حددها باراك بـ 10 أيام للرد على الخطة، وهو ما استدعى مناقشات حكومية سريعة، وجدالاً خارج الأضواء، كان الحزب يقابله بصمت، أو بشروط تعرقل مساعي نزع سلاحه، لكنه لم يجد بداً من "المواجهة" المعلنة بعد قرار حصرية السلاح، وعلّق بالتأكيد على أنه سيتعامل مع القرار وكأنه لم يكن.
وسط كل تلك التغيرات، ما زال "حزب الله" مصراً على التمسك بالسلاح الذي ما زال يمتلك منه الكثير مما يمنحه القوة، حسبما تشير معظم التقديرات، رغم الضربات التي تلقّاها، وهو ما يجعله يفاوض ويناور، وسط ترقب لحرب جديدة مع إسرائيل.