تُظهر قراءات خبراء القانون لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، كما وقعته حركة حماس وإسرائيل والدول الضامنة، أنه يتمتع بطابع الاتفاقات الأممية التي تتضمن اعتبارات سياسية تتجاوز الحيثيات الإجرائية المنصوص عليها.
وتشير تحليلات الخبراء إلى أن الاتفاق، الذي تناول حلولًا تتعلق بواقع ومستقبل قطاع غزة، يُعد الأول من نوعه منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، فقد تفاوض عليه ووقعه طرف فلسطيني خارج التشكيل الرسمي لمنظمة التحرير، التي وُصفت بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
خبير القانون الدولي المحامي نور الدين حمودة قال إن الاتفاق بين حماس وإسرائيل، في حيثياته التنفيذية، هو اتفاق فلسطيني-إسرائيلي بضمانات دولية، رغم أن منظمة التحرير ليست طرفًا فيه.
وأضاف حمودة، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن الهدنة في غزة، كخطوة قانونية وإنسانية، يمكن اعتبارها اعترافًا متبادلًا بين حماس وإسرائيل، وقد يُعزز هذا الاعتراف قريبًا بقرار من الأمم المتحدة كوثيقة رسمية تُسجل في مجلس الأمن.
وأوضح أن الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الملحقة تحدد طرقًا لتجنب انتهاكات حقوق الإنسان في مثل هذه الاتفاقات.
وأشار حمودة إلى أن حركة حماس، باعتبارها حركة تحرر وطني وفق تقييم القانون الدولي، يمكنها إيداع الوثائق المتعلقة بالهدنة لدى الأمم المتحدة، ما يمنحها طابعًا دوليًا ورسميًا.
وتابع أن المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على تسجيل أي اتفاق دولي يُبرم بين الدول الأعضاء، ليصبح جزءًا من السجل الدولي الذي يُمكن الرجوع إليه قانونيًا في حالة النزاعات أو الانتهاكات.
وأضاف أن هذا التوصيف القانوني للاتفاق، الذي شاركت الولايات المتحدة في التوقيع عليه، يُمثل تغييرًا جوهريًا في التعامل مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويُعطل أو يتجاوز شعار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
من جانبه، أوضح الباحث سلمان الطويل أن موضوع وحدانية الشرعية الفلسطينية وحصرها في منظمة التحرير والسلطة الوطنية برام الله هو مسألة خلافية قديمة داخل المجتمع الفلسطيني.
وأشار إلى أن هذا الجدل بين حركة "فتح" التي يقودها محمود عباس رئيس السلطة من جهة، وحركتيْ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من جهة أخرى مستمر منذ أكثر من 3 عقود، وتحديدًا بعد اتفاقية أوسلو.
وأضاف الطويل، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن حماس، التي اعتبرت في السابق اتفاق أوسلو خيانة، تبنت في عام 2017 ميثاقًا جديدًا نص على أن منظمة التحرير هي إطار وطني للشعب الفلسطيني يجب المحافظة عليه.
لكنه أشار إلى أن حماس اشترطت في ميثاقها العمل على تطوير منظمة التحرير وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وهي اشتراطات لم تتحقق حتى الآن، ما يعني أن حماس لا تزال، قانونيًا، خارج منظمة التحرير.
ولفت الطويل إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، كما وقعته حماس وإسرائيل، يشمل في سياقاته التنفيذية قضايا تتعلق بـ"اليوم التالي للحرب"، مثل موضوعات الحدود والمياه واللاجئين، التي ترتبط مباشرة بالدولة الفلسطينية.
وختم بالقول إن ذلك كله يحدث خارج نطاق منظمة التحرير الفلسطينية، ما يجعل الحاجة إلى تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية أكثر إلحاحًا، وهي هدف لم يتمكن الفلسطينيون من تحقيقه طوال السنوات الماضية.