ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
يرى خبراء أن دخول لبنان مرحلة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل داخل إطار اللجنة الخماسية في الناقورة، يعكس تحولاً مهماً في مقاربة بيروت للضغوط الدولية، ومؤشراً على تحوّل نوعي في منهجية التعامل مع الضغوط العسكرية والسياسية القائمة.
وذهب الخبراء إلى أن الخطوة جاءت تلبية لطلب أمريكي بإعادة تفعيل آلية الحوار التقني، في مرحلة تراهن فيها القوى الدولية على احتواء التوتر، ومنع انزلاق الجبهة الشمالية إلى مواجهة شاملة.
ولفتوا إلى أن المسار لا يشير إلى أي اتجاه نحو تطبيع سياسي، بل يعكس محاولة لإدارة الحرب وضبط إيقاعها، في ظل مخاوف لبنانية من سعي إسرائيل إلى فرض شروط أحادية مستفيدة من ضغط النار والوقت.
وحول طبيعة هذه المفاوضات، قال الخبير العسكري والإستراتيجي جورج نادر إن تعيين السفير سيمون كرم، المعروف بتوجهاته السياسية الرافضة لسلاح حزب الله، يعد خطوة لافتة من حيث التوافق الرسمي على هذه الشخصية، معتبراً ذلك تطوراً إيجابياً يدفع مسار المفاوضات إلى الأمام.
وأوضح نادر في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن الاجتماع الذي انعقد في مقر الأمم المتحدة في منطقة الناقورة جنوب لبنان جمع اللجنة الخماسية، المؤلفة من: ضابط أمريكي يرأس الاجتماع، وضابط فرنسي، وآخر أممي، إضافة إلى ضابط لبناني، وضابط إسرائيلي.
وأشار إلى أن انضمام السفير كرم ممثلاً عن لبنان، جاء في إطار تفاهم جديد على إعادة فتح قنوات الحوار وفق ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع، وهو ما يعد مؤشراً يحد من احتمالات شن عملية عسكرية واسعة، أو يخفف على الأقل من وتيرتها، مبيناً أن الاجتماع تناول بصورة غير معلنة حدود المخاطر الأمنية، ومنع الانزلاق إلى مواجهة أوسع.
من جانبه، أوضح مدير مركز الاستشراف للمعلومات، الدكتور عباس ضاهر أن المشاركة اللبنانية في المباحثات المباشرة داخل إطار اللجنة جاءت نتيجة اتفاق مسبق منذ أسابيع، بعدما طلبت الولايات المتحدة رفع مستوى التمثيل اللبناني للجنة الخماسية "الميكانيزم".
وأضاف ضاهر في تصريح لـ "إرم نيوز" أن الاتفاق الداخلي اللبناني استقر على تمثيل تقني يراعي الاختصاص، بعيداً عن إشراك مسؤول رسمي عامل كـ "وزير أو سفير قائم" ما دفع إلى اختيار السفير السابق، سيمون كرم لخبرته الدبلوماسية، وقدرته على إدارة الملفات المعقدة.
وأشار ضاهر إلى أن السلطات اللبنانية من رئاسة الجمهورية والحكومة مروراً بمجلس النواب، لا تبدي أي استعداد للانخراط في مسار يتعلق بـ "التطبيع" الذي تسعى إليه إسرائيل، مؤكداً أن المفاوضات الحالية تقنية بشكل خاص، وهدفها وقف الحرب، وتأمين عودة المهجرين، والانسحاب الإسرائيلي، وانتشار الجيش اللبناني وحصر سلاح حزب الله بيد الدولة.
ولفت ضاهر إلى أن الجانب الأمريكي هو من يشرف على هذه المفاوضات ودفعها نحو التنفيذ، مشدداً في الوقت نفسه على أن هذه المفاوضات لا يمكن تصنيفها بأنها "الأولى منذ عقود" بالمفهوم السياسي، لأنها تختلف، على سبيل المثال، عن مفاوضات 17 أيار في الثمانينيات، أو غيرها من المفاوضات السابقة.
وأضاف ضاهر أن السفير كرم يمثل قرار الدولة اللبنانية، وأن أي خطوة نحو التطبيع تحتاج إلى توافق وطني غير متوافر، في وقت يقتصر فيه الهدف اللبناني على وقف الحرب.
ويرى ضاهر أن التجربة تُظهر أن إسرائيل لن تكتفي بوقف التصعيد، بل تسعى إلى تحقيق مكاسب إضافية، وفرض شروط مجحفة على مختلف الجبهات العربية، وهو ما لا يقبل به لبنان.
وأكد ضاهر أن رئيس الجمهورية يلتزم بالدستور، بما في ذلك الحكومة اللبنانية، ويحدد سقف المفاوضات بوصفها لا سياسية، ما يجعل المفاوضات جزءاً من مسار تفاوضي محدود الأهداف، ومدعوم أمريكياً، ومخصص لوقف الحرب وتداعياتها لا أكثر.
في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي غسان ريفي أن المفاوضات لا تزال غير مباشرة، كونها تُعقد ضمن اللجنة المنبثقة عن اتفاق وقف إطلاق النار.
وأشار ريفي في حديثه لـ "إرم نيوز" إلى أن المستجد الوحيد هو استجابة لبنان للطلب الأمريكي الذي كان مطروحاً منذ مارس/ آذار الماضي، بأن تُطعّم لجنة الميكانيزم بمدنيين.
وأضاف ريفي أن لبنان انتظر فترة طويلة رداً على هذه الضغوط، فيما كانت إسرائيل تمارس ضغوطاً نارية، لدفع لبنان إلى أبعد من التعاون التقني نحو مفاوضات مباشرة، قد تفضي، بحسب ما تريده تل أبيب، إلى إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار، والدخول في تفاهم جديد أقرب إلى الاستسلام.
وأوضح ريفي أن هذا "الاستسلام" يعني تشريع الاحتلال، وإقرار المنطقة العازلة، وهو ما يرفضه لبنان باعتباره انتهاكاً لحقه المشروع في الدفاع عن نفسه، ما يجعل هذه الخطوة امتداداً لنهج قائم.
وبيّن أن هذه المقاربة تأتي في سياق شراء الوقت ريثما تتبدل الظروف الإقليمية والدولية، ما قد يفتح نافذة لتسوية أكثر توزاناً، وتخفف الضغوط الحالية على لبنان.