الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
يرى خبراء أن توقف إنتاج حقل هجليج، بالتزامن مع إنهاء الشركة الوطنية الصينية للبترول عقودها، شكل ضربة مباشرة لحكومة بورتسودان، وأدى إلى فراغ إنتاجي حاد، وتراجع كبير في العائدات.
ويضيف الخبراء أن البعد القانوني للأزمة لا يقل خطورة عن آثارها الاقتصادية، إذ إن لجوء الشركة الصينية إلى تفعيل بند "القوة القاهرة" يحصّنها تعاقدياً من أي مطالبات جزائية، ويقيّد خيارات حكومة بورتسودان القانونية، في وقت لا تملك فيه الحكومة هامشاً سياسياً أو مالياً واسعاً للمناورة.
وفي السياق، أكد الخبير النفطي، أيمن أبو الجوخ أن الشركة الصينية (CNPC) كانت قد غادرت من حقل هجليج قبل دحر قوات بورتسودان منها، موضحاً أن الشركة تمتلك حصة تبلغ 95% من المربع 6 البترولي، الذي يضم حقول: "بليلة، موقا، الفولة، جيه وكيه، سفيان، وحديدة"، لافتاً إلى أن هذا المربع متوقف عن الإنتاج منذ أكتوبر 2023.
وأضاف المدير السابق لشركة سودابت، لـ"إرم نيوز" أن التوقف الحالي لا يرتبط بخروج الشركة الصينية من الحقل، وإنما خروجها يعد خسارة لشريك إستراتيجي في قطاع البترول السوداني، خاصة أن للشركة استثمارات سابقة في البلاد، كان آخرها في المربع 6.
وأوضح أن الشركة الصينية طالبت بفسخ العقد المتعلق بالإنتاج وتفعيل بند "القوة القاهرة" بسبب الحرب، وذلك بهدف إيقاف التزاماتها المالية تجاه الحقل، الذي بات يتعذر الوصول إليه، فضلاً عن حجم التخريب والدمار الكبير الذي لحق له.
وأشار إلى أن المربع 6 كان ينتج قبل اندلاع الحرب نحو 18 ألف برميل يومياً، وأن توقفه انعكس سلباً وبشكل كبير على الاقتصاد السوداني، مؤكداً أن إعادته إلى الخدمة ستكون مكلفة للغاية، موضحاً أن الشركة خاطبت وزارة النفط في حكومة بورتسودان قبل انتهاء مدة العقد المقررة في 2026، مطالبة بفسخه رسمياً.
وبيّن أن الحرب لم تكن العامل الوحيد في هذا القرار، إذ سبقها خلاف حول بند نهاية العقد المحدد لعام 2026 من جانب حكومة بورتسودان، في حين كان الجانب الصيني يفضل عقداً طويل الأمد، باعتبار أن الجزء الذي ينتهي في 2026 لا يشمل كامل الحقل.
ولفت إلى توقف إنتاج حقل هجليج وبامبو وهما الحقلان الوحيدان اللذان استمرا في الإنتاج منذ بداية الحرب، حيث كان متوسط إنتاجهما خلال تلك الفترة نحو 22 ألف برميل يومياً، وفي الوقت نفسه، كانت تتم معالجة إنتاج نفط جنوب السودان من منطقة ولاية الوحدة بمتوسط يقارب 62 ألف برميل يومياً.
وأوضح أن هذه الخسائر طالت كلاً من حكومة بورتسودان وجنوب السودان، إلى جانب خسائر كبيرة في عائدات نقل خام جنوب السودان، مشيراً إلى وجود عائدات أخرى من حقول جنوب السودان في المربعات 3 و7 بمنطقة الجبلين، التي توقفت لمدة 15 شهراً بسبب الحرب، قبل أن تعود للعمل بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 1000 برميل يومياً، مع توجيه العائدات لحكومة بورتسودان.
من جانبه، أوضح الخبير القانوني محمود قطية أنه في واحدة من أكثر الضربات الاقتصادية قسوة منذ اندلاع الحرب، وجدت حكومة بورتسودان نفسها أمام فراغ نفطي كامل بعد قرار الشركة الوطنية الصينية للبترول إنهاء عقودها ومغادرة السودان، مبيّناً أن هذا القرار سيقود إلى شلل شبه كامل في حقل هجليج، وهو أكبر مخزون نفطي تعتمد عليه حكومة بورتسودان، إلى جانب حقل بامبو، وذلك في وقت تعيش فيه حكومة بورتسودان على أجهزة الإنعاش الاقتصادي.
وأضاف مؤسس ورئيس هيئة محامي كردفان لـ"إرم نيوز" أن حقل هجليج يعد العمود الفقري للصادرات النفطية، إذ كان ينتج في المتوسط نحو 40 ألف برميل، يومياً، قبل توقفه، ويمثل أكثر من 60% من إنتاج السودان النفطي المتاح للتصدير، مشيراً إلى أن أي شركة تشغيل كانت تعتمد على هجليج كمصدر لتدفق نقدي ثابت وعالي الهامش، كما كانت أي حكومة تستفيد منه كركيزة لتأمين العملات الصعبة وتمويل الخدمات والإنفاق الدفاعي، ومع توقفه، دخلت خزينة حكومة بورتسودان إلى مرحلة "السيولة الحرجة" وفق تعبيره.
وأوضح الخبير أن حقل بامبو ورغم كونه أقل حجماً، فإنه مؤثر، حيث تراوح إنتاجه، خلال السنوات الماضية، بين 3 آلاف و20 ألف برميل يومياً على حسب الدورة الإنتاجية والقدرة التشغيلية، وحتى في الحد الأدنى، هو حقل لا يمكن تجاهله في سوق هش أصلاً.
وفي معرض حساب حجم الخسائر، أشار الخبير إلى اعتماد سعر خام برنت العالمي في نهاية 2025، والذي يراوح حول 62 دولاراً للبرميل، وبحسب التقديرات، فإن خسارة هجليج وحده تبلغ، يومياً، 2.48 مليون دولار، وسنوياً ما يقارب 905 ملايين دولار، أما خسارة هجليج وبامبو بمتوسط إنتاج 50 ألف برميل يومياً فتصل إلى نحو 3.1 مليون دولار يومياً، وسنوياً 1.13 مليار دولار.
ولفت إلى أنه حتى في حال كانت الحصة الصافية لحكومة بورتسودان أقل من هذه الأرقام بسبب عقود تقاسم الإنتاج، فإن الخسارة السنوية ستظل بمئات الملايين من الدولارات، في بلد يعاني أساساً من عجز مالي حاد، مؤكداً أن الأمر لا يتعلق بفجوة في الموازنة، بل بكارثة نقدية كاملة.
وعلى الصعيد المحلي، أوضح قطية أن العملة المحلية ستواجه مزيداً من الضغوط والتراجع، كما ستتقلص قدرة حكومة بورتسودان على الدفع والدعم والاستيراد بوتيرة متسارعة، مضيفاً أن أوراق التفاوض الإقليمي، ولا سيما مع جنوب السودان، ستضعف بدورها، نظراً لارتباط خطوط تصدير النفط عبر الشمال بشكل مباشر بقدرة الحقول الشمالية على الصيانة والتشغيل.
ومن الناحية القانونية، بيّن قطية أن خروج الصين بعد تفعيل بند القوة القاهرة، والذي يستخدم عند استحالة تنفيذ العقود، سيترتب عليه فقدان حكومة بورتسودان لحقها القانوني بالمطالبة بالبند الجزائي، لأن الشركة غير ملزمة بالدفع في حال وجود خطر جسيم، وأن أي مطالبات من بورتسودان ستقود إلى نزاع تحكيم دولي مكلف وطويل وغير قابل للتنفيذ في ظل الانقسام السياسي الحالي.