logo
العالم العربي
خاص

بيروت تعيد صياغة "قرار الحدود".. قناة تفاوض سرية تقلّص نفوذ حزب الله

لقطة من الحدود اللبنانيةالمصدر: (أ ف ب)

كشفت معلومات حصل عليها "إرم نيوز" من مصادر لبنانية وأمريكية، أن إدخال ممثل مدني على رأس الوفد اللبناني في "الميكانيزم" كان جزءًا من "تغيير أوسع" في طريقة إدارة الدولة للملف الحدودي.

ويتقاطع هذا التغيّر مع تشكيل قناة اتصال غير معلنة مع واشنطن، تُستخدم لترتيب أولويات التفاوض، وتثبيت موقع الدولة في المباحثات المقبلة، في مقابل انحسار الدور المباشر لحزب الله في صياغة القرار المتصل بخطوط التهدئة جنوب الليطاني.

هذه المعادلة الجديدة باتت عنصراً أساساً في طريقة تعامل بيروت مع الاجتماعات المقبلة، خاصة جلسة المحادثات الثانية المقررة، في 19 ديسمبر/كانون الأول، التي يُعدّ لها لبنان والولايات المتحدة باعتبارها الجلسة التي يجب أن تُظهر قدرة الدولة على إدارة التزاماتها السياسية والأمنية في آن واحد.

 

أخبار ذات علاقة

الحدود اللبنانية الإسرائيلية مقابل المطلة

"منطقة اقتصادية" بجنوب لبنان.. ماذا وراء مشروع ترامب المفاجئ؟

إعادة توزيع مركز القرار

وتؤكد مصادر سياسية لبنانية أن الاتصالات بين بيروت وواشنطن لم تُستأنف في سياق متابعة الجلسة الأولى فقط، بل سبقتها ترتيبات داخلية شارك فيها فريق سياسي–أمني ضيق، أوكلت إليه مهمة تحديد كيفية حضور الدولة في المفاوضات بعيدًا عن الإيقاع التقليدي الذي كان يمنح حزب الله موقعًا مركزيًا في أي نقاش مرتبط بالحدود.

ووفق المصادر، فإن تعيين رئيس مدني للوفد (السفير اللبناني السابق في واشنطن، سيمون كرم) كان هدفه فتح إطار يسمح للجانب اللبناني بطرح مقاربة سياسية على الأميركيين، تتجاوز النقاط التقنية المتصلة بوقف إطلاق النار، وتضع ملف جنوب الليطاني ضمن تصور متكامل يشمل إعادة انتشار الجيش، وترتيبات اقتصادية موازية، وخطوات لخفض مستوى الاحتكاك الميداني.

وتشير المصادر، إلى أن واشنطن وافقت، خلال الأيام الماضية، على التعامل مع الفريق اللبناني المدني باعتباره المخوّل لعرض الموقف السياسي الرسمي، وهو ما أتاح لبيروت تثبيت مسار داخلي مختلف يقوم على قاعدة أن القرار السياسي في يد الدولة، والتنفيذ الأمني في يد الجيش، والتأثير غير المباشر لحزب الله في حدود دوره التقليدي.

 

 

تحوّل في دور واشنطن

بدوره، يوضح مصدر دبلوماسي أمريكي، أن واشنطن انتقلت من دور الوسيط الفني إلى دور مباشر في صياغة الإطار العام للمحادثات.

وأضاف المصدر  لـ"إرم نيوز"، أن "الإدارة الأمريكية تريد اختبار قدرة الدولة اللبنانية على إدارة الملف الحدودي بما يضمن تخفيف احتمالات التصعيد خلال الأشهر المقبلة، ويحافظ في الوقت نفسه على دور الجيش اللبناني باعتباره الجهة التي ستتولى تنفيذ أي تفاهمات يتم الوصول إليها".

وتعكس الرسائل التي تلقّتها بيروت من واشنطن، خلال اليومين الماضيين، استعدادًا لبحث إجراءات عملية، من بينها خفض وتيرة النشاط الجوي الإسرائيلي فوق الجنوب، وربط ذلك بخطوات لبنانية واضحة تتصل بتوسيع انتشار الجيش جنوب الليطاني، وتحديد المناطق التي يمكن أن تنتقل إليها المسؤولية الأمنية وفق جدول زمني متدرّج.

ويشير الدبلوماسي الأمريكي، إلى أن إدخال عنصر مدني على رأس الوفد اللبناني وفّر للولايات المتحدة مساحة عمل أوسع مما كان متاحًا في القنوات العسكرية البحتة، وأن هذا التغيير "فتح الباب أمام بحث ملفات اقتصادية موازية، يجري إعدادها لتكون جزءًا من المرحلة التالية في حال تقدّم المسار الأمني".

 

أخبار ذات علاقة

قوات "اليونيفيل" في لبنان

"اليونيفيل": رصدنا غارات إسرائيلية على منطقة عملياتنا جنوب لبنان

مرحلة إدارة الدولة للمسار

إلى ذلك، توضح المعطيات المتقاطعة أن التفاهم الداخلي الذي سبق الجلسة الأولى مكّن الحكومة من الانتقال إلى مرحلة جديدة في إدارة الملف.

وساعد حضور الجيش في مواقع جديدة جنوب الليطاني، خلال الأسابيع الأخيرة، على رفع مستوى التنسيق بين المؤسستين السياسية والعسكرية، ما منح الوفد اللبناني قدرة أكبر على التفاوض من موقع الدولة وليس من موقع الطرف المقيّد بواقع ميداني.

ولفت المصدر السياسي اللبناني، إلى أن حزب الله لم يعلّق، رسميًا، على طبيعة التمثيل الجديد، لكنه بات يعمل ضمن حدود مختلفة عن السابق، مع تركيز على تجنّب أي خطوة ميدانية يمكن أن تُستخدم لتبرير تعطيل مسار التهدئة أو الحدّ من دور الدولة داخل اللجنة.

في حين تشير معلومات حصل عليها "إرم نيوز"، إلى أنّ بيروت تعمل على إعداد ورقة ستُعرض على الجانب الأمريكي قبل انعقاد جلسة 19 ديسمبر/كانون الأول، وتتضمّن تصورًا لإعادة تنظيم انتشار الجيش جنوب الليطاني وفق تقييم ميداني يُحدّث بصورة متواصلة، إلى جانب مشروع أولي لبرنامج اقتصادي–تنموي يُفترض أن ينطلق في المناطق الحدودية عند انخفاض مستويات التوتر.

 

 

وتشمل الورقة أيضًا مقاربة لتوسيع آلية المراقبة بحيث تُدار عملية التوثيق ومعالجة الانتهاكات من خلال فريق لبناني يجمع بين الخبرات المدنية والعسكرية، على أن يتم ذلك بالتنسيق المباشر مع ممثلي الأمم المتحدة.

بينما يؤكد المصدر الدبلوماسي الأمريكي، أنّ واشنطن تنظر إلى هذه الورقة باعتبارها اختبارًا لقدرة الحكومة اللبنانية على التعامل مع متطلبات الملف الأمني، في وقت تتعامل تل أبيب مع التطورات بحذر إلى حين اتضاح نتائج الجولة المقبلة.

هندسة القرار اللبناني

من ناحيته، اعتبر الباحث اللبناني كمال عبيد، الخبير في شؤون الأمن السياسي وإدارة النزاعات، أنّ "إدخال عنصر مدني إلى الميكانيزم بمثابة إعلان مبكر عن إعادة إنتاج البنية الداخلية لاتخاذ القرار في بيروت".

وأضاف عبيد خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أن "الممر السياسي–الأمني المستجدّ بين لبنان وواشنطن يعيد صياغة موقع الدولة في إدارة الملف الحدودي، ويُخرج جزءًا من التفاعل الدبلوماسي من المدار التقليدي الذي احتكره حزب الله طيلة العقدين الماضيين".

واعتبر أنّ "المسار الجديد يفتح للمرة الأولى منذ 2006 مساحة لتثبيت توازنات داخلية مختلفة، وقد يخلق ضغطًا متراكماً على الحزب مع تقدّم الترتيبات الأمنية جنوب الليطاني. لكنه يحذّر في الوقت نفسه من أنّ تل أبيب ستراقب قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ التزاماتها، وأن أي تعثّر في ضبط السلوك الميداني قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر بسرعة".

ويضيف أنّ "تأثير الممر التفاوضي غير المعلن لن يكون محصورًا بالمستوى الأمني أو بضبط خطوط التماس، بل سيتجاوز ذلك إلى إعادة رسم العلاقة بين المؤسسات الثلاث الكبرى في الدولة. فالآلية الجديدة، وفق تقديره، تعيد الاعتبار إلى موقع رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في إدارة الملفات السيادية، وتخلق في الوقت ذاته تداخلاً محسوبًا بين القرارين العسكري والسياسي بما يحول دون انفراد أي طرف بمفاتيح التفاوض".

وأشار عبيد، إلى أنّ الاجتماع الثاني في 19 ديسمبر/كانون الأول قد يشكّل، داخليًا، فرصة لبلورة "اختبار توازن" بين قوة الدولة الرسمية وقدرة الجيش على بسط نفوذه جنوب الليطاني من جهة، وبين استعداد حزب الله للتكيّف مع الوقائع الجديدة من جهة أخرى.

استقلالية الدولة اللبنانية

بدوره، اعتبر ماركوس فيلر، الباحث في سياسات الأمن الإقليمي وتحولات ما بعد النزاعات، أنّ "واشنطن انتقلت إلى دور الوسيط المباشر من أجل فتح اختبار معمّق لمدى استعداد الدولة اللبنانية لانتزاع القرار الأمني من الفاعلين غير الرسميين".

ورأى فيلر خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أنّ "إشارات بيروت الأخيرة تُقرأ كجزء من محاولة متدرجة لإعادة بناء شرعية الدولة عبر ملف حدودي حساس كان تاريخيًا مصدرًا لاهتزاز السيادة".

 

أخبار ذات علاقة

لافتة ترحيبية عند مدخل منطقة الناقورة في لبنان

ضغط النار والوقت.. كيف غيّرت "مفاوضات الناقورة" استراتيجية لبنان؟

وأشار إلى أنّ "التطور الأكثر أهمية يتمثل في مستوى الانضباط الذي يمكن أن تفرضه بيروت على خطوط التماس، وقدرتها على الاستمرار في المسار نفسه حتى في حال تبدّل المناخ الإقليمي أو تعرّضه لاهتزازات".

ولفت فيلر، إلى أنّ "السيناريو الأكثر حساسية لن يكون مرتبطًا بخرق أمني مباشر، وإنما بمدى قدرة الدولة اللبنانية على المحافظة على تماسك روايتها أمام الداخل والخارج".

وتابع قائلاً: "إذا ظهر أنّ الممر التفاوضي يتحرك بإيقاع منفصل عن المؤسسات الدستورية، أو أنّه يستند إلى تفاهمات ضيقة لا تحظى بغطاء سياسي واسع، فقد ينهار الزخم الحالي بسرعة. أما إذا تمكنت بيروت من استثمار اللحظة لتوحيد قرارها الأمني، فستكون جلسة 19 ديسمبر/كانون الجاري بداية انتقال من إدارة التوتر إلى إدارة الاستقرار، وهو انتقال نادر في السياق اللبناني المعاصر".

وخلص فيلر، إلى أن "الأيام التي تسبق الجلسة المقبلة ستكون اختباراً صامتاً لكنه حاسم لمدى قدرة لبنان على تثبيت هذا المسار كإستراتيجية دولة، وليس كمبادرة ظرفية لامتصاص التوتر".

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC