logo
الانتخابات العراقيةالمصدر: إرم نيوز
العالم العربي

صراع خلف الكواليس.. من يحكم بغداد بعد "المعركة الانتخابية"؟

يشهد العراق انتخابات برلمانية جديدة تُراقبها عن كثب كلٌّ من واشنطن وطهران، في ظلّ تصاعد التوترات الإقليمية واحتدام الصراع على النفوذ داخل الدولة الغنية بالنفط. 

وبينما تتركز الأنظار الدولية على مسار العلاقة بين بغداد وطهران، فإنّ اهتمام العراقيين العاديين ينصبّ على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي تحقق بشق الأنفس بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي والحروب الطائفية والصراعات المسلحة

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، يبقى لهذه الانتخابات بُعد جيوسياسي عميق يتجاوز حدود الداخل العراقي

الرهانات الجيوسياسية وصراع النفوذ

منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، خضعت السلطة في العراق لهيمنة الأحزاب الشيعية التي وجدت نفسها في موقع وسط بين قوتين متصارعتين: الولايات المتحدة وإيران. 

أخبار ذات علاقة

 المتحدثة باسم المفوضية العليا للانتخابات جمانة الغلاي

مفوضية الانتخابات العراقية: لم ولن تحدث خروقات ولا استبعاد لمرشحين

تسعى كلتا الدولتين لتكريس نفوذهما في القرار السياسي العراقي، فيما تزداد حدة الضغوط الأميركية على الحكومة القادمة لنزع سلاح الميليشيات الموالية لطهران.

تأتي الانتخابات في وقتٍ حساس بعد الحرب الإسرائيلية–الإيرانية القصيرة التي اندلعت في يونيو/حزيران واستهدفت منشآت نووية إيرانية؛ ما زاد من احتدام المواجهة بين واشنطن وطهران. 

ويُعدّ السؤال الأبرز اليوم: كيف ستتعامل الحكومة العراقية المقبلة مع الميليشيات المدعومة من إيران والتي اكتسبت نفوذاً واسعاً داخل الدولة؟

وذكرت الصحيفة أن هناك 5 وزارات من أصل 22 في الحكومة الحالية تدار من قبل شخصيات مرتبطة بتلك الفصائل، التي لم تكتفِ بالعمل العسكري، بل دفعت بمرشحيها لخوض الانتخابات؛ ما يعزز احتمالات تعمّق حضورها داخل مؤسسات الدولة.

المشهد الانتخابي وأبرز المتنافسين

يخوض 7743 مرشحاً من 114 قائمة سباقاً على 329 مقعداً برلمانياً، في تنافس هو الأكبر منذ تأسيس النظام الديمقراطي بعد عام 2003. 

ومن المتوقع أن يفوز تحالف رئيس الوزراء محمد السوداني بأكبر عدد من المقاعد، بفضل ما يُنسب إليه من نجاحات في مشاريع البنية التحتية وتحقيق الاستقرار السياسي النسبي.

أخبار ذات علاقة

أحد مراكز الاقتراع في دهوك

بدء التصويت في الانتخابات البرلمانية العراقية

غير أنّ السوداني يواجه تحديات داخلية جادة؛ إذ عليه تشكيل ائتلاف حاكم يضمن له الأغلبية، في وقتٍ يشعر فيه حلفاؤه السابقون بالقلق من توسّع سلطاته. 

فبعد أن دعمته القوى الشيعية عام 2022 بشرط ألا يترشح مجدداً أو يؤسس حزباً خاصاً، خالف كلا الشرطين؛ ما أثار توترا داخل المعسكر الموالي له.

ويُتوقع أن تستغرق مفاوضات تشكيل الحكومة أشهراً عدة، كما حدث في الدورات السابقة، حيث يُعدّ توزيع الحقائب الوزارية أداة للمساومة السياسية ومصدر نفوذ اقتصادي ضخم.

أزمة الثقة والديمقراطية المتعثّرة

رغم مرور عشرين عاماً على التجربة الديمقراطية العراقية، فإنّ ثقة الجمهور بالعملية الانتخابية في أدنى مستوياتها. 

وتشير استطلاعات الرأي إلى احتمال تسجيل أدنى نسبة مشاركة منذ عام 2005، ويرجع ذلك إلى تفشي الفساد، وشراء الأصوات، وانعدام الثقة بالطبقة السياسية.

أخبار ذات علاقة

الرئيس التركي أردوغان ورئيس الوزراء العراقي السوداني

وسط ترقب أنقرة.. الانتخابات العراقية تضع النفوذ التركي على المحك

حذّر رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من تفاقم ظاهرة شراء الأصوات، فيما يرى بعض المواطنين أن بيع أصواتهم هو الوسيلة الوحيدة للحصول على مكسب مباشر من السياسيين. 

ويقول أحد مديري الحملات الانتخابية لـ"نيويورك تايمز": "العراقيون يعلمون جيداً أنهم بعد الانتخابات لن يحصلوا على شيء آخر".

بلغ الإحباط الشعبي مستوى غير مسبوق، دفع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر إلى دعوة أنصاره لمقاطعة التصويت أو حتى قبول الرشى ثم إبطال بطاقاتهم الانتخابية، في إشارة واضحة إلى عمق أزمة الشرعية التي تضرب النظام السياسي.

البنية الطائفية للنظام السياسي

وأشارت الصحيفة إلى أن الانتخابات في العراق لا تزال محكومة بمعادلة طائفية وعرقية راسخة؛ إذ يُوزع النظام السياسي المناصب العليا وفقاً لتوازنات مذهبية: رئيس الوزراء من الأغلبية العربية الشيعية، ورئيس الجمهورية من الأكراد، ورئيس البرلمان من العرب السنة.

ورغم أن هذا النظام وُضع لضمان التمثيل الديموغرافي، فإنه تحول إلى شبكة محسوبية مغلقة، حيث تُبنى التحالفات على أساس الولاءات الطائفية لا البرامج السياسية. 

يحصل المرشحون على دعم من خلال الوعود بتخصيص موارد وخدمات لطوائفهم؛ ما عمّق الفساد والمحسوبية وأضعف الانتماء الوطني الجامع.

أخبار ذات علاقة

عسكريون يدلون بأصواتهم في الانتخابات العراقية قبل الاقتراع العام

قبل الانتخابات العراقية.. خلافات على 3 جبهات تهدد "الإطار التنسيقي"

وقد أدت هذه الصيغة إلى موجات احتجاج واسعة بين عامي 2019 و2021، حين خرج مئات الآلاف من العراقيين للمطالبة بإصلاح النظام السياسي وإنهاء النفوذ الخارجي. 

نجحت تلك الحركة في إيصال عدد محدود من مرشحي المجتمع المدني إلى البرلمان، لكنها فشلت في زعزعة هيمنة النخبة التقليدية، فتراجعت تدريجياً.

النتائج المحتملة ومستقبل الحكم

من غير المتوقع أن تغيّر الانتخابات جذرياً في بنية السلطة العراقية، لكنها ستحدد موازين القوى بين التيارات الشيعية والكتل الكردية والسنية؛ فالفصائل المسلحة المدعومة من إيران، رغم الضغوط الأميركية، لا تزال تمتلك نفوذاً سياسياً واقتصادياً يصعب تجاوزه.

ويرى المحلل العراقي ريناد منصور من مركز تشاتام هاوس أن الانتخابات تمثل "ساحة استثمار سياسي" للنخب التي تنفق أموالاً طائلة لضمان مقاعد تُستخدم لاحقاً للمساومة على مناصب الدولة وثرواتها.

ومع استمرار الانقسام الداخلي وضعف الثقة الشعبية، تبدو مهمة الحكومة المقبلة في تحقيق التوازن بين واشنطن وطهران مهمة شبه مستحيلة، بينما يبقى المواطن العراقي العادي عالقاً بين فساد النخب وصراع القوى الإقليمية والدولية على أرضه.

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC