فيما تتجدد الدعوات للتحقيق في انتهاكات قوات بورتسودان، أُعيد فتح أحد أخطر الملفات المرتبطة بالحرب، بعد الكشف عن ملابسات جديدة بشأن إلقاء براميل غاز الكلور قرب مصفاة الجيلي؛ ما دفع إلى تصاعد دعوات دولية للمطالبة بتحقيق أممي مستقل.
ويرى مراقبون أن هذا الملف سيضع قوات بورتسودان تحت ضغط قانوني غير مسبوق، في ظل رفع منسوب الحديث عن احتمال فتح مسارات محاكمة دولية وسط اتهامات بأن استخدام هذه الأسلحة يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
وحول هذا الموضوع، قال الخبير القانوني ومؤسس ورئيس هيئة محامي إقليم كردفان بالسودان، محمود قطية إن استخدام الأسلحة الكيميائية يعد جريمة دولية مطلقة بموجب منظومة من المرجعيات القانونية الملزمة، وفق اتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية لعام 1993، وبروتوكول جنيف لعام 1925، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب القانون الدولي الإنساني العرفي.
وأضاف قطية لـ "إرم نيوز" أن قوات بورتسودان استخدمت الأسلحة الكيميائية في حرب 15 أبريل/ نيسان، وثبوت ضلوعها في استخدامها بالخرطوم وكردفان ودارفور؛ ما يمثل خرقًا صريحًا ومباشرًا لعدد من القواعد القانونية الملزمة.
وأوضح أن استخدام قوات بورتسودان المتعمد لغازات خانقة أو مواد تؤدي لتدمير الأنسجة، وهو ما وثقته شهادات في عدة مواقع، يدخل مباشرة في نطاق جريمة حرب، بموجب المادة الـ8 من نظام روما، خاصة أن هذا الاستخدام وقع في بيئات مدنية مكتظة، كما حدث في أم درمان، والأبيض، والفاشر، فضلًا عن انتهاك اتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية، رغم أن السودان طرف فيها.
وأشار قطية إلى أن العقوبات ستشمل قادة بورتسودان الذين أصدروا أو سمحوا أو تجاهلوا استخدام الأسلحة الكيميائية، استنادًا إلى المادتين الـ25 والـ28 من نظام روما الأساسي، اللتين تجرّمان القادة العسكريين باعتبارهم مسؤولين عن جريمة إبادة جماعية وجريمة حرب.
وعن دلالات التوقيت، بيّن الخبير أنه ليس صدفة سياسية بل يرتبط بـ3 اتجاهات إستراتيجية: أولاً، إعادة تموضع دولي ضد الإسلام السياسي المسلح، خصوصًا الجماعات المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين، وثانيها، تحميل قوات بورتسودان المسؤولية الجنائية قبل أي تسوية سياسية، وثالثها، تعزيز شرعية الدعوات لتعزيز حماية المدنيين و"مأسسة المساءلة".
وربط الخبير بين الدعوات لفتح تحقيق أممي وتصنيف جماعة الإخوان تنظيمًا إرهابيًّا من قبل البيت الأبيض، بسبب ارتباطهم بالشبكات المسلحة، واستخدامهم أدوات حرب غير مشروعة؛ ما يهدد السلم الإقليمي والدولي، معتبرًا أن ذلك يوفر سندًا قانونيًّا للإدارة الأمريكية لدفع ملفات التصنيف إلى الأمام، ويظهر قوات بورتسودان بقيادة الإسلاميين كجسم يندرج تحت تعريف الإرهاب الدولي.
وتابع الخبير قائلًا: إن جميع الاتفاقيات والمرجعيات السابقة، إضافة إلى السوابق القانونية، تجعل قوات بورتسودان مسؤولة مسؤولية مباشرة، من منظور قانوني صارم، عن ارتكاب جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وانتهاك جسيم للاتفاقيات الدولية الملزمة، وعمل يرقى إلى السلوك الإرهابي باستخدام سلاح محظور دوليًّا.
واختتم الخبير حديثه بالإشارة إلى أن الدعوات الدولية في هذا التوقيت تأتي تمهيدًا لإعادة توصيف الجماعة المسلحة المسيطرة على قوات بورتسودان كامتداد إقليمي لتنظيم الإخوان المسلمين الذي يسعى ترامب إلى إدراجه رسميًّا ضمن قوائم الإرهاب.
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، عمار سعيد إن تجدد الجدل حول استخدام الأسلحة الكيميائية في السودان، عقب التحقيق الأخير حول إلقاء براميل غاز الكلور قرب مصفاة الجيلي، وضع قوات بورتسودان تحت ضغط قانوني ودولي غير مسبوق، مع تصاعد الأصوات المطالبة بتشكيل لجنة تحيق أممية مستقلة قد تفتح الباب أمام محاكمات واسعة.
وأضاف سعيد لـ "إرم نيوز" أن عددًا من الدول، مثل: ألمانيا وهولندا وكندا، تمتلك صلاحيات المحاكمة وفق مبدأ الولاية القضائية العالمية، وهو مسار سبق استخدامه في قضايا مشابهة؛ ما يعزز احتمال تحريك دعاوى قائمة على تقارير دولية ومواد موثقة.
وأشار إلى أن ازدياد الأدلة الرقمية من الصور والفيديوهات، إلى جانب الضغوط الأمريكية والأوروبية، إضافة إلى تكرار الهجمات على القوافل الإنسانية، جعل هذا الملف في السودان أولوية ملحّة لدى المؤسسات الدولية.
واعتبر سعيد أن السلوك العسكري الحالي يُعيد إنتاج نمط الانتهاكات المرتبط بسنوات حكم الحركة الإسلامية؛ من دارفور إلى جبال النوبة، لافتًا إلى أن هذا الارتباط يعزز الدعوات الغربية لإعادة النظر في التصنيف الدولي للإخوان بوصفهم تنظيمًا ذا سجل عسكري دموي عبر أجهزة الدولة.
واختتم سعيد حديثه بالتأكيد أن القضية لم تعد مجرد اتهامات إعلامية، بل تحولت إلى مسار قانوني دولي قد يقود إلى إجراءات تحقيق، وعقوبات، وربما مذكرات توقيف ضد قادة في قوات بورتسودان، وهو ما قد يعيد رسم المشهدين السياسي والقانوني في السودان بشكل كامل.