عاد ملف النازحين في العراق إلى الواجهة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وسط تحذيرات من تحوّله "مجددا" إلى "ورقة موسمية" تُستخدم لحصد الأصوات.
ورغم مرور أكثر من سبع سنوات على إعلان النصر العسكري على تنظيم "داعش"، لا يزال آلاف العراقيين يعيشون في 26 مخيمًا رسميًا، بالإضافة إلى الآلاف ممن يقيمون في منازل مستأجرة بضواحي مدن إقليم كردستان ومحافظات غرب البلاد.
ويؤكد مختصون أن هذا الملف لم يعد طارئا، بل أصبح واقعا "معلّقًا" بين خيمة متهالكة ومنزل منسي، في ظل غياب خريطة طريق واضحة للعودة الطوعية، وتعثّر مشاريع إعادة الإعمار في المناطق المتضررة.
وتُظهر بيانات مفوضية الانتخابات أن أكثر من 48 ألف نازح، معظمهم في دهوك وأربيل والسليمانية، يحق لهم التصويت ضمن "التصويت الخاص" الذي يُجرى قبل 48 ساعة من التصويت العام، من خلال مراكز اقتراع داخل بعض المخيمات.
لكن معوقات لوجستية، مثل فقدان الوثائق، وبعد مراكز الاقتراع، وحرمان عدد كبير من الناخبين من البطاقة البايومترية، تُهدد بخفض نسبة المشاركة بين النازحين.
وقال النائب في البرلمان العراقي، رعد حميد الدهلكي، إن "ملف النازحين في العراق لا يزال معلّقًا منذ أكثر من 12 عامًا، حيث تعيش آلاف العائلات في المخيمات وسط ظروف قاسية من التهميش والحرمان، دون أن تتحقق وعود العودة إلى مناطقهم الأصلية".
وأضاف الدهلكي في تصريح لـ"إرم نيوز" أن "العراق استقبل نازحين من دول أخرى، لكنه حتى الآن لم يتمكن من إعادة نازحيه إلى ديارهم، بسبب غياب الإرادة السياسية الحقيقية، وتحول الملف إلى ورقة تُستغل سياسياً كلما اقتربت الانتخابات".
وأشار إلى أن "بعض القوى تستثمر معاناة النازحين لأغراض انتخابية، فيما يعيش هؤلاء في ظروف من الفقر والتشرّد بعيدًا عن مناطقهم منذ سنوات"، لافتًا إلى "وجود تحرك سياسي مع رئيس الوزراء، الذي وعد بتحركات قريبة لحسم الأزمة، لكن يجب أن يكون ذلك بعيدًا عن الحسابات الحزبية والمهاترات السياسية".
ويحذّر سياسيون من أن غياب الإرادة الجادة لمعالجة ملف النزوح قد يفتح الباب أمام تسييسه مجددا، خصوصا مع تسجيل محاولات سابقة للتأثير على خيارات الناخبين في المخيمات، سواء من خلال الضغوط أو الإغراءات.
كما يُخشى من استمرار تغييب مئات الآلاف من النازحين عن العملية الانتخابية، ما يعني استبعاد شريحة كبيرة من التمثيل السياسي، لا سيما في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار.
وتتوالى التقارير الحقوقية والشهادات بشأن التحديات اليومية التي يواجهها النازحون، مثل نقص المياه والكهرباء والرعاية الصحية، فضلًا عن غياب المدارس وفرص العمل، ما يعزز شعورهم بالإقصاء ويُضعف من حضورهم السياسي والاجتماعي.
وتواجه الحكومات المتعاقبة انتقادات متكررة بسبب عدم تنفيذها الوعود السابقة بإغلاق المخيمات منذ منتصف عام 2024. ويقول ناشطون إن ما يجري على الأرض لا ينسجم مع التصريحات الرسمية، إذ تتم عمليات "ترحيل تدريجي" للنازحين دون توفير بدائل حقيقية، ما يثير قلق منظمات حقوق الإنسان.
ويؤكد متابعون أن مناطق مثل جرف الصخر والعوجة والعويسات لا تزال تُعامل بمنطق العقوبة الجماعية، بدلًا من التمييز بين المتهم والبريء، ما يعيق أي مسعى حقيقي لإغلاق ملف النزوح.
ويحذر هؤلاء من أن استمرار هذا الوضع قد يُغذي الانقسام المجتمعي، ويُضعف من مصداقية الاستحقاق الانتخابي المرتقب في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ويرى الباحث في الشأن السياسي، عادل الجبوري، أن "الكتل السياسية بدأت تتسابق للفوز في انتخابات مجلس النواب المقبلة، مستغلة حاجة المواطن عبر تقديم بعض الخدمات لكسب صوته، سواء بوعود إعادة النازحين أو بتنفيذ مشاريع خدمية مثل تبليط الشوارع، وهي في الأساس من مسؤوليات الحكومة وليس المرشحين".
وأضاف الجبوري لـ"إرم نيوز" أن "قانون العفو العام الذي أُقر أخيراً سحب من يد الكتل السياسية ورقة مهمة كانت تُستخدم في مخاطبة جمهورها، ولهذا تحولت الأنظار نحو ملفات أخرى تمس حاجة الناس، مثل ملف النازحين، الذي يُعاد توظيفه اليوم بعد سنوات من الإهمال، دون رؤية حقيقية لحلّه".
وانتقد الجبوري ما وصفه بـ"الوعود الموسمية" التي تختفي فور انتهاء الانتخابات، قائلاً: "حينها لن يجد المواطن من يرد على مطالبه، بعد أن يكون المرشح قد ضمن مقعده".