أكدت مصادر سياسية وأمنية لبنانية أن فشل خطة نزع سلاح ميليشيا حزب الله لا يرتبط إطلاقا بغياب إرادة لدى الجيش اللبناني، بل بغياب القدرة الفعلية على تنفيذ عملية بهذا الحجم.
وأكدت أن الجيش بذل جهدا كبيرا خلال الأسابيع الماضية جنوب الليطاني، ونفّذ عشرات العمليات والدوريات وواجه مجموعات محلية مرتبطة بالحزب، لكن كل هذه الأنشطة بقيت ضمن هامش محدود بسبب هيمنة حزب الله السياسية والعسكرية من جهة، وافتقار الجيش للأدوات المناسبة من جهة أخرى.
وأشارت المصادر في حديثها لـ"إرم نيوز"، إلى أن حلفاء الحزب داخل الدولة لعبوا دورا مباشرا في تخفيف سقف التكليف الممنوح للمؤسسة العسكرية، بحيث تحوّلت الخطة الحكومية من "نزع السلاح" إلى "إدارة السلاح"، ما جعل الجيش يعمل ضمن هامش سياسي ضيق، لا يتسع لعملية تفكيك حقيقية.
يكشف مصدر عسكري رفيع لـ"إرم نيوز"، أن الحديث عن "قدرة الجيش على نزع سلاح حزب الله" هو "طرح سياسي غير مبني على أي معطيات تقنية"، مضيفا: "نحن نملك القدرة على فرض الأمن، لكن تفكيك بنية عسكرية بحجم حزب الله يحتاج إلى أدوات ليست موجودة أصلا في المؤسسة العسكرية اللبنانية.. الجيش اللبناني بلا مخالب".

ويشرح المصدر بالتفصيل ماذا يعني غياب الأدوات بالقول إن هذا معناه نقص القدرة على اكتشاف المنشآت تحت الأرض، ذلك أن حزب الله يمتلك شبكة أنفاق ومخازن تحت الأرض تمتد في مناطق واسعة. والجيش، بحسب المصدر العسكري، لا يملك أجهزة الرادار الأرضي (GPR) ولا الأنظمة المخصصة لكشف التربة المختلة أو شبكات الأنفاق، وهي أدوات أساسية في أي عملية نزع سلاح لجماعة تمتلك بنية لوجستية سرية.
كما يشمل ذلك، وفقا للمصدر العسكري، غياب القدرة على مراقبة الحركة اللوجستية للحزب، فالجيش لا يملك طائرات استطلاع مسيرة بعيدة المدى، أو منظومات مراقبة حرارية متقدمة، ولا قدرات SIGINT لالتقاط الاتصالات المشفّرة
في المقابل، يمتلك حزب الله شبكة اتصال مغلقة بنسخة مطورة من أنظمة استخبارية إيرانية، تجعل مراقبة اتصالاته شبه مستحيلة بقدرات الجيش الحالية.
غياب الأدوات يتضمن، وفقا للمصدر العسكري اللبناني، فجوة صاروخية كبيرة. ويشرح المصدر أن الجيش لا يمتلك أي قدرات مضادة للصواريخ، ولا أنظمة اعتراض، ولا حتى قوة نيران توازي جزءا بسيطا من القوة الصاروخية لدى الحزب، التي تشمل صواريخ متوسطة المدى، ووحدات إطلاق متنقلة، ومخازن تحت الأرض يصعب الوصول إليها.
وبالتالي، فإن "نزع السلاح" من دون قدرة على السيطرة على النيران الصاروخية، يصبح مجرد عنوان سياسي.
ويشير المصدر إلى تفكك منظومة الدعم اللوجستي لدى الجيش اللبناني، بمعنى أن الجيش يعتمد على ذخائر محدودة وآليات قديمة تخطى عمر بعضها 40 عاما ومنظومات اتصال غير مشفرة بالكامل، بينما يمتلك حزب الله بنية لوجستية تُدار كجيش مستقل، مع خطوط إمداد ودعم تقني إيراني دائم.
ويلفت المصدر في هذا السياق إلى غياب الغطاء الدولي والعربي عن الجيش اللبناني، موضحا "لا توجد دولة في العالم تستطيع تنفيذ نزع سلاح مليشيا بهذا الحجم دون دعم خارجي هائل، تقنيا ولوجستيا وسياسيا، والجيش لم يُعط هذا الدعم."
تكشف المصادر الأمنية أن إيران زوّدت حزب الله خلال الأشهر الماضية بأنظمة مراقبة واتصالات وذخائر صاروخية دقيقة، وشاركت فرق إيرانية متخصصة في إعادة تأهيل منشآت أصابتها ضربات إسرائيلية.
في المقابل، حصل الجيش اللبناني على وعود أميركية "بالدعم القريب"، وتعهّدات أوروبية بمساعدات "لاحقاً"، وبرامج تدريب قصيرة الأجل، لكن لا شيء فعليا يعادل ما يحصل عليه الحزب من دعم مستمر ومتدفق من طهران.
وتعليقا على ذلك، يقول المصدر العسكري: "لا يمكن مواجهة قوة منظمة تموّل وتُدرّب وتُجهّز من دولة إقليمية، بقوة لم تحصل على دعم جدي منذ سنوات، الدعم الكلامي لا يصنع قدرة عملانية." حسب قوله.
وفق المعلومات التي حصل عليها "إرم نيوز"، نفّذ الجيش مداهمات في قرى جنوب الليطاني، وقام بالفعل بتفكيك نقاط مراقبة صغيرة، ومصادرة أسلحة فردية ومتوسطة، وتوقيف عناصر محلية مرتبطة بالحزب. لكن العمليات لم تقترب من البنية العسكرية الفعلية للحزب، لأن التفويض السياسي لم يسمح بذلك، ولأن القدرة التقنية غير متوفرة.
وتجمع التقارير الدولية على أن المؤسسة العسكرية حاولت بجدية، لكنها اصطدمت بثلاثة جدران صلبة؛ أولها هيمنة حزب الله على القرار السيادي، وتفوقه العسكري الهائل، وثالثا افتقار الجيش للأدوات اللازمة لعمليات التفكيك
في المحصلة؛ تنقل مصادر سياسية لبنانية عن مصادر دبلوماسية عربية أن لبنان يقف اليوم على حافة مواجهة لا تشبه سابقاتها، لأن الحزب أقوى تسليحا وأوسع انتشارا، والدولة أضعف سياسيا، والجيش مكبّل تقنيا وسياسيا، بينما إسرائيل تعتبر أن الحل العسكري بات أقرب من الحل السياسي.
وتحذر المصادر من أن حزب الله، بإصراره على منع الدولة من ممارسة سيادتها ونزع سلاحه، يدفع لبنان نحو حرب غير قابلة للاحتواء، في وقت لا يمتلك فيه الجيش الأدوات ولا الغطاء لتنفيذ المهمة التي وضعها المجتمع الدولي على عاتقه.