أثار الاعتداء على قاضٍ في محكمة حلب مؤخراً تساؤلات حادة حول مدى حماية استقلالية القضاء وسلامة العاملين فيه، في ظل تصاعد الانتهاكات ضد المؤسسة القضائية.
وبينما يرى بعض الخبراء أن العدالة الانتقالية قد تشكل حلاً لإعادة هيكلة المنظومة القضائية وتعزيز حصانتها، يحذر آخرون من أن التحديات الهيكلية والأمنية قد تقوض أي جهود إصلاحية.
وتتجاوز قضية الاعتداء على القاضي مجرد حادثة أمنية معزولة، لتصبح اختباراً صارخاً لمستوى احترام حصانة القضاء، وانعكاساً لأزمة أعمق في علاقة المؤسسات الأمنية بالجهاز القضائي.
ويكشف الحادث عن ثغرات خطيرة في حماية القضاة، ومن ناحية أخرى، يطرح تساؤلات حول جدوى آليات العدالة الانتقالية في ظل بيئة تشريعية وأمنية معقدة، حيث لا تزال التشريعات القديمة تسمح بالتدخل في شؤون القضاء.
حول هذا الموضوع، أكد الخبير القانوني عبد اللطيف علم أن قضية التعدي على القضاة تتضمن مسألتين جوهريتين: الأولى تتمثل في أن القاضي يتمتع بحصانة قانونية ودستورية، مما يجعل أي اعتداء عليه انتهاكاً للمؤسسة القضائية برمتها.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "المسألة الثانية تكمن في أن مثل هذا التعدي يفتح الباب أمام احتمالية انتهاك حصانات أخرى، سواء كانت قضائية أو برلمانية أو سياسية"، مشيراً إلى أن جوهر المشكلة يعود لغياب مبدأ احترام القانون والدستور لدى من يفترض بهم تطبيقه، نتيجة استمرار العمل بمبدأ الشرعية الثورية في البلاد حتى اللحظة.
من الناحية العملية، أوضح الخبير أنه تم الإعلان عن إلغاء الدستور وتعطيله، مع عدم معالجة الإعلان الدستوري لمسألة الفراغ القانوني الناتج، إذ إن القوانين الوطنية لا يمكن تعطيلها قانوناً دون استبدالها أو تعديلها أولاً.
وأشار إلى أن المشكلة تكمن في أن العناصر الأمنية المسؤولة عن الحماية غير مؤهلة علمياً وثقافياً لأداء هذه المهام، كونهم منتمين للفصائل المسلحة، مؤكداً أن العمل الأمني يتطلب خريجي أكاديميات متخصصة تزودهم بأساليب التعامل الصحيح مع المواطنين، وفق قوله.
واختتم حديثه بالتحذير من أن حادثة الاعتداء على القاضي قد لا تكون الأخيرة، موضحاً أن مسألة المساءلة والمحاسبة ترتبط بشكل أساسي ببنية وهيكلة المؤسسات الأمنية نفسها، مما يشير إلى استمرار خطر تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل، وفق قوله.
ورأى الحقوقي ورئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، أنور البني، حاجة لتغيير قانون السلطة القضائية، كما من المفروض أن يكون هناك جهاز أمن ملتزم محكوم بقواعد ثابتة؛ لأنه حتى الآن هناك فوضى في هذا الأمر.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن قانون السلطة السابق لا يزال معمولا به، وهو الذي يعطي السلطة التنفيذية حق التحكم بالقضاء، بالإضافة إلى أن عناصر الأمن الآن لا يخضعون لقواعد حاكمة لعملهم، ولا يوجد بعد أي ضوابط أو روادع لتلك التجاوزات، على حد تعبيره.
وأوضح أن المسألة تحتاج إلى ما هو أكثر من العدالة الانتقالية بل يتطلب هيكلة القضاء وكل القوانين بسوريا، لافتاً إلى أن هذه العملية ستأخذ وقتا طويلا.