رغم قرب انعقاد أول جلسة للبرلمان العراقي، لا تزال الكتل السياسية عاجزة عن حسم خياراتها بشأن الرئاسات الثلاثة، في مشهد يؤشر لاستمرار التعقيد والتداخل بين الحسابات الداخلية والضغوط الخارجية.
وبحسب معطيات المشهد السياسي، فإن ملف رئاسة البرلمان يُعد الأكثر تقدمًا نسبيًا مقارنة بملفي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، إلا أن هذا التقدم لم يصل بعد إلى مرحلة الإعلان الرسمي، في ظل بقاء التفاصيل التفاوضية عالقة داخل كل مكوّن سياسي.
وفي هذا السياق، قال القيادي في تحالف السيادة، عمار العزاوي إن “المجلس السياسي السني يشهد حوارات مستمرة وأجواء إيجابية، ومن المقرر أن يتم حسم الموقف خلال الأسبوع المقبل، سواء بالدخول إلى جلسة البرلمان بمرشح واحد أم اثنين، لكن الأجواء العامة ودية من حيث المبدأ".
وأضاف العزاوي لـ"إرم نيوز"، أن “المكون السني يحاول هذه المرة تقليل هامش الخلاف الداخلي، لتفادي تكرار سيناريوهات الانقسام التي رافقت الدورات السابقة، خصوصًا في ظل إدراكه أن رئاسة البرلمان تمثل المدخل الأول لإعادة ترتيب البيت السني سياسيًا".
ويشير مراقبون إلى أن هذا التقدم النسبي لا يعني بالضرورة أن الملف بات محسومًا، إذ لا يزال مرتبطًا بمسار التفاهمات الأوسع، ولا سيما ما سيسفر عنه موقف الإطار التنسيقي من رئاسة الوزراء، والذي يشكل العامل الأكثر تأثيرًا في بقية الاستحقاقات.
وبرغم عقد قوى "الإطار التنسيقي" خمسة اجتماعات حتى الآن، فإنها لم تتمكن من حسم ملف رئاسة الوزراء، في ظل احتدام التنافس داخل البيت الشيعي بين رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الساعي إلى ولاية ثانية، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي لا يزال اسمه مطروحًا بقوة ضمن حسابات بعض أطراف الإطار.
ويؤشر هذا التعثر – وفق مختصين - عمق الانقسام بشأن طبيعة المرحلة المقبلة وشكل القيادة التنفيذية المطلوبة، إذ تتقاطع اعتبارات داخلية تتعلق بتوازنات النفوذ والتمثيل داخل الإطار، مع حسابات خارجية مرتبطة بالضغوط الإقليمية والدولية، ما يدفع القوى الشيعية إلى اعتماد سياسة التريث وتأجيل الحسم إلى اللحظات الأخيرة.
وفي هذا السياق، قال عضو ائتلاف دولة القانون (ضمن الإطار التنسيقي) عمران الكركوشي إن "ملف الرئاسات الثلاثة يعد من أصعب الاستحقاقات أمام القوى السياسية، خصوصًا أن نتائج الانتخابات الأخيرة أفرزت خارطة سياسية جديدة، ومتغيرًا مؤثرًا يتمثل برئيس الوزراء وائتلافه، وهو ما لم يكن حاضرًا بهذا الشكل في دورات سابقة".
وأضاف الكركوشي لـ"إرم نيوز"، أن “المنافسة داخل المكون الشيعي لا تزال محصورة بين الخط الأول، المتمثل بنوري المالكي ومحمد شياع السوداني، ومن غير المتوقع حسم هذا الملف حتى بعد انتخاب رئيس البرلمان، نظرًا لحاجة تشكيل الحكومة والكابينة الوزارية إلى تفاوض أعمق".
ويرى الكركوشي أن "المشهد قد يشهد تسارعًا مفاجئًا في الساعات أو الأيام المقبلة، مع إعادة تشغيل ماكينة التفاوض السياسية بقوة، وإنجاز ملفات ربما لم يكن الرأي العام يتوقع حسمها بهذه السرعة، مع الميل العام للالتزام بالسقوف الدستورية".
في المقابل، يواجه المكون الكردي تحديًا مضاعفًا، يتمثل في استمرار الخلافات الداخلية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، ما انعكس على غياب موقف موحد بشأن رئاسة الجمهورية، التي تعد تقليديًا من حصة الأكراد.
ويشير متابعون إلى أن هذا الانقسام لا يقتصر على اسم المرشح، بل يمتد إلى طبيعة العلاقة مع بغداد، وملفات النفط والموازنة ورواتب الإقليم، ما يجعل الحسم الكردي مرهونًا بتفاهمات أوسع تتجاوز منصب الرئاسة بحد ذاته.
وتتزامن هذه الأوضاع مع تصاعد الضغوط الأمريكية على قوى الإطار التنسيقي، في إطار السعي لإبعاد الميليشيات المسلحة عن مراكز القرار السياسي، وهو ما انعكس في تصريحات متكررة لمسؤولين أمريكيين، حذروا فيها من تداعيات استمرار السلاح خارج سيطرة الدولة على الاقتصاد والاستقرار.
ويبدو أن المشهد السياسي العراقي يعيش حالة "انتظار متبادل"، حيث يترقب السنة موقف الإطار من رئاسة الوزراء، وينتظر الأكراد ما ستؤول إليه التفاهمات الشيعية والسنية، فيما يفضل الإطار نفسه التريث حتى تتضح مواقف بقية المكونات والضغوط الخارجية.