أيام قليلة بعد اندلاع الصراع في السودان، في 15 أبريل/ نيسان 2023، كانت كافية للكشف عن تحالف كان خفيا بين قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وتنظيم الإخوان المسلمين، من بقايا أنصار نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، الساعين لاستعادة السلطة وتشكيل الحكم الإسلامي الذي واجه احتجاجات شعبية واسعة في عاميه الأخيرين.
في 20 أبريل/ نيسان، بعد أربعة أيام من بدء الحرب، نفى البرهان في حوار مع "فايننشال تايمز" الاتهامات التي وجّهها إليه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، بانحيازه للإخوان المسلمين لتمكينه من الاستمرار في السلطة وتكرار نموذج البشير، المخلوع.
كتيبة البراء بن مالك
لم يكن ذلك النفي الأول، لكنه سيكون الأخير، فبعد استمرار الصراع أياما أخرى بدأ بروز ميليشيات إخوانية أبرزها كتيبة "البراء بن مالك"، ذائعة الصيت، التي كانت تتحضّر للحرب قبل وقوعها بعامين بحسب الكاتب نجيب يماني، في مقال منشور عبر صحيفة "عكاظ" السعودية، والتي أعلنت بوضوح عن انضمامها إلى الحرب قبل مضي شهرها الأول، وتُبرز "انتصاراتها".
كما قدّم البرهان "برهانا" آخر على تحالفه وتواطئه مع الإخوان، عندما أوقف عمل لجنة إزالة التمكين، المعنية بمحاسبة رموز وفلول النظام السابق وفصلهم من الجيش أو المؤسسات الأمنية والمدنية، قبل أن يحل اللجنة تماماً ويرجع المفصولين من فلول نظام البشير إلى وظائفهم، وهو ما مهّد لعودة المئات منهم إلى الجيش.
بروز الخلافات
وبعد عامين من التحالف السياسي والعسكري، برزت الخلافات بين البرهان والإخوان، تحديدا في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، وعقب اجتماع بين قائد الجيش مع القيادي البارز في الحركة الإسلامية علي كرتي ورئيس حزب المؤتمر الوطني "المحلول" أحمد هارون المطلوب للعدالة الدولية، في مدينة بورتسودان.
وكشفت تقارير صحفية عن ملامح الخلاف التي تركزت حول السيطرة على قرار الحرب، خصوصا أن الخلاف السياسي تزامن مع هجوم لاذع من المصباح طلحة، وهو قائد كتيبة "البراء" التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، الذي نسب الفضل في "التقدم العسكري" للكتائب الإخوانية.
فيما كان قيادي إخواني آخر، هو عبدالحي يوسف القيادي، يصف البرهان بـ "ضعيف الشخصية الذي لا يحترم المواثيق"، وأنه "عاجز عن أن يقضي على الإسلاميين فهم موجودون داخل مكتبه"، لتكشف تقارير صحفية عن غضب واسع بين كبار ضباط الجيش الذين طالبوا باستبعاد كتيبة البراء، وجميع الكتائب الإخوانية، واصفين استمرار وجودها بـ "المخاطرة".
تحذيرات دولية
وتتفق تلك الأنباء مع ما كشفه موقع "الراكوبة" السوداني، بأن دولاً حذّرت البرهان بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "أقلّ احتمالا وأقلّ صبرا تجاه الميليشيات الإسلامية"، وخيّرت قائد الجيش بين اتخاذ إجراءات عملية ضد هذه الميليشيات، أو توقع عواقب جدية من الإدارة الأمريكية الجديدة.
وتزامنت تلك التحذيرات، بحسب موقع "الراكوبة"، مع استخدام ميليشيات إخوانية في الجيش للأسلحة الكيميائية ضد قوات الدعم السريع في منطقتين، حيث تمكنت أجهزة استخباراتية غربية من التوثيق الكامل لواقعتي الاستخدام، بما في ذلك أخذ صور وشهادات ضباط وجنود من القوات المسلحة نفسها أصيبوا في الواقعتين بأضرار جانبية.
تصفية المدنيين
كما يلفت الموقع إلى دور تنامي عمليات التصفية للمدنيين في المناطق التي سيطر عليها الجيش مؤخرا، خصوصا في أم روابة والعاصمة، وتقدّر وسائل إعلام محلية عددها بنحو ألفي عملية، نفّذتها ميليشيات إخوانية مثل "البراء" و"البرق الخاطف" وقوات العمل الخاص، إضافة إلى وحدات الاستخبارات العسكرية.
وبحسب مصادر مقرّبة من البرهان، فإن داعميه الإقليميين، أكدوا أن مثل هذه الجرائم لا يمكن إخفاؤها، خصوصا بعد التدخل الأممي والحقوقي، وهو ما سرّع في بروز الخلافات على السطح، وأشاع الكثير من التأويلات التي لا يخلو منها مصير عمر حسن البشير.