أثار تمديد البرلمان التركي لتفويض وجود قوات بلاده في العراق وسوريا ولبنان 3 سنوات إضافية، غضبًا واسعًا في الأوساط السياسية العراقية، وسط تحذيرات من أن الخطوة تمثل تكريسًا لسياسة التدخل العسكري المباشر في أراضي دول الجوار.
وجاء التمديد بناءً على مذكرة قدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البرلمان، تتضمن السماح بمواصلة العمليات العسكرية خارج الحدود، بمبررات تتعلق بـ“مكافحة الإرهاب” وحماية الأمن القومي، إلا أن هذه الخطوة ترافقت مع وصول تعزيزات عسكرية تركية جديدة إلى قاعدة بعشيقة شمالي العراق، وفق ما أفادت به وسائل إعلام محلية.
ونقلت التقارير أن القوافل العسكرية التي دخلت الأراضي العراقية ضمت آليات مدرعة وعشرات الجنود ومدافع ثقيلة ومعدات لوجستية، لتدعم واحدة من أكبر القواعد التركية في نينوى، والتي يقدر عدد جنودها بين 500 و1000 عنصر، إلى جانب مهابط طائرات مروحية وبطاريات صواريخ ومدفعية ثقيلة.
ويأتي ذلك فيما لم تصدر الحكومة العراقية حتى الآن أي موقف رسمي تجاه قرار التمديد، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات البرلمانية والشعبية لغياب رد دبلوماسي واضح من بغداد تجاه استمرار التوغل العسكري التركي.
بدوره، قال النائب في البرلمان العراقي ياسر الحسيني، إن "القرار التركي يمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة العراقية، ويكشف عن نيات توسعية تتجاوز مبدأ محاربة الإرهاب الذي تتذرع به أنقرة منذ سنوات".
وأضاف الحسيني لـ"إرم نيوز" أن "استمرار الوجود العسكري التركي بعد إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه ونزع سلاحه، لم يعد له أي مبرر قانوني أو أمني، والسكوت عن هذا التوغل يشجع أنقرة على التمادي أكثر داخل الأراضي العراقية".
وأوضح أن "المرحلة الحالية تتطلب موقفًا واضحًا وحاسمًا يضع حدًا لهذا الانتهاك المستمر"، مشيرًا إلى أن "تركيا تستغل الصمت الرسمي لتوسيع وجودها العسكري وتكريس قواعدها الدائمة في شمال العراق تحت ذريعة مكافحة الإرهاب".
ويُقدَّر عدد القوات التركية المنتشرة بين سوريا والعراق بنحو 16 إلى 18 ألف جندي، بحسب تقديرات رسمية تركية، فيما تبرر أنقرة وجودها بأنه يدخل ضمن إطار “الدفاع الوقائي” ضد عناصر حزب العمال الكردستاني.
وجاءت الخطوة التركية في ظل تحولات إقليمية متسارعة، أبرزها تراجع الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، ما أتاح لتركيا توسيع نطاق عملياتها الحدودية وترسيخ وجودها العسكري في مناطق تراها امتدادًا أمنيًا لها، خصوصًا بعد تشكيل الحكومة الانتقالية في دمشق نهاية عام 2024 التي تدعمها أنقرة.
من جانبه، قال الباحث في الشأن الأمني رياض الجبوري إن "المذكرة التركية تعكس سياسة ثابتة تستهدف ترسيخ النفوذ العسكري والاقتصادي لأنقرة في مناطق التماس مع العراق، وربط الأمن بالاقتصاد في معادلة واحدة".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "المبررات الأمنية التي تتذرع بها تركيا فقدت مصداقيتها بعد إعلان حل حزب العمال الكردستاني، إلا أن أنقرة تواصل استخدام الملف الكردي غطاء لتوسيع نفوذها الميداني وحماية مشاريعها الاقتصادية في المنطقة، وعلى رأسها طريق التنمية الرابط بين البصرة والحدود التركية".
وأشار إلى أن "هذا التمديد يندرج ضمن رؤية استراتيجية طويلة المدى، حيث تحاول تركيا تأمين حدودها الجنوبية وتثبيت نفوذها الدائم في المشرق العربي بما يتناسب مع مصالحها الاقتصادية والعسكرية".
وفي السياق ذاته، عبر سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، عن رفض حزبه الشديد للقرار التركي، داعيًا إلى توحيد الموقف الوطني الرافض لاستمرار وجود القوات التركية على الأراضي العراقية.
وقال فهمي في بيان: إن "الخطوة التركية تمثل انتهاكًا سافرًا لسيادة العراق ومخالفة للأعراف والقوانين الدولية، وتأتي رغم الرفض العراقي المتكرر للوجود العسكري التركي ومطالبة أنقرة بسحب قواتها والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية".
ويستمر الوجود العسكري التركي شمالي العراق منذ ربع قرن، عبر عشرات القواعد المنتشرة في إقليم كردستان، وتُنفذ منها عمليات برية وجوية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني.