تدخل الساحة السياسية السنية في العراق مرحلة جديدة بعد إعلان تشكيل "المجلس السياسي الوطني"، وهو كيان يُفترض أن يعيد تنظيم التمثيل السني ويمنح قادته قدرة تفاوضية أكبر خلال مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة.
غير أن المشهد بدا لافتاً مع عودة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر إلى طاولة واحدة، بعد سنوات من الخلافات والتنافس الحاد على زعامة المكون السني، وسط تساؤلات عما إذا كانت الخطوة تحالف ضرورة أم بدايةً لإعادة رسم النفوذ داخل البيت السني.
وجاء الإعلان عقب اجتماع موسّع في بغداد جمع أبرز القادة السنة، بينهم الحلبوسي والخنجر ومثنى السامرائي وثابت العباسي، واتُّفق فيه على أن يكون المجلس "مظلّة جامعة" لتنسيق المواقف وتوحيد القرارات في الملفات الوطنية الكبرى، وعلى رأسها مفاوضات الحكومة وتوزيع المناصب السيادية.
وفي السنوات الماضية، شهدت العلاقة بين الحلبوسي والخنجر تقلبات حادة، من التحالف في بعض المراحل إلى تباعد وخلافات وصلت حدّ القطيعة بسبب التنافس على زعامة التمثيل السني، وتباين المواقف في ملفات تتعلق بالمحافظات الغربية وترتيبات العملية السياسية.
لكن اجتماع بغداد الأخير أعاد الرجلين إلى مربع العمل المشترك، بعد إدراك القوى السنية أن التشتت لم يعد خياراً ممكناً في ظل صراع التحالفات داخل البرلمان المقبل.
بدوره، قال عضو حزب تقدّم أنور العلواني إن "المجموع النهائي للمقاعد السنية في البرلمان يصل إلى 82 مقعداً، تشمل النواب السنة داخل قوائم الإطار والقوى الكردية، وهو ما يمنحهم قوة مقررة في تشكيل الحكومة المقبلة".
وأضاف العلواني لـ"إرم نيوز" أن "القوى السنية ستطالب بمناصب أمنية ورئاسة هيئات مهمة مقابل المشاركة بالحكومة، مع التشديد على أن حصر السلاح بيد الدولة وفرض سيطرة بغداد على واردات الإقليم يمثلان أبرز المطالب السنية خلال المفاوضات المقبلة".
وفي السياق ذاته، ترى أطراف سياسية أن استعادة التنسيق بين الحلبوسي والخنجر لا تعني نهاية التنافس بينهما، لكنها محاولة لإدارة الخلاف داخل إطار منضبط يمنع تشظّي القرار السياسي السني، خصوصاً في ظل عدم صعود قوى جديدة في الأنبار ونينوى وصلاح الدين.
وتشير قراءة أولية إلى أن المجلس يسعى إلى محاكاة تجربة "الإطار التنسيقي" داخل البيت الشيعي، عبر الحفاظ على استقلالية كل حزب، مقابل وحدة القرار في الملفات المصيرية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن القوى السنية مجتمعة حصلت على ما يقارب 77–82 مقعداً، مما يمنحها وزناً تفاوضياً غير مسبوق منذ سنوات.
وتتصدر كتلة "تقدم" وتوابعها من القوائم الأخرى بزعامة الحلبوسي المشهد بـ35 مقعداً، تليها "العزم" بـ17 مقعداً، ثم "السيادة" بـ9 مقاعد، إضافة إلى تحالفات محلية مثل "الحسم الوطني" و"الجماهير" وتشكيلات سياسية صغيرة أخرى.
وهذا التكتل الجديد يأتي في توقيت تتسابق فيه القوى الشيعية لتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء، فيما يخوض الحزبان الكرديان مفاوضات معقدة حول منصب رئاسة الجمهورية.
بدوره، قال المحلل السياسي غانم العيفان إن «تأسيس المجلس السياسي الوطني يمثل نقلة نوعية في مسار التفاهمات السنية، وخطوة تعزز عملية بناء الدولة وتدعم استقرارها خلال المرحلة المقبلة".
وأضاف العيفان لـ"إرم نيوز" أن «لملمة البيوتات السياسية السنية تنهي حالة الصراع الداخلي وتقوي الجبهة الوطنية، وهو ما يمنح القوى السنية قدرة أكبر على معالجة الملفات العالقة منذ سنوات، والانتقال من خطاب الكراهية إلى منهج الحوار السياسي".
وبينما يعتبر بعض المراقبين أن المجلس السياسي الوطني محاولة لسد الفراغ القيادي داخل المكوّن، يرى آخرون أنه خطوة اضطرارية لإعادة إنتاج التوازن بعد النتائج الانتخابية الأخيرة، وأن نجاحه سيعتمد على قدرة قادته على تجاوز إرث الخلافات الشخصية والحزبية التي عطلت تأثير المكوّن السني في الحكومات السابقة.