قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تشتبه بوجود أكثر من 100 موقع للأسلحة الكيميائية في سوريا، وهي بقايا برنامج عسكري سري خلفه نظام بشار الأسد بعد سقوطه العام الماضي.
ووصفت الصحيفة هذا الرقم بأنه أول تقدير من نوعه، ويعد أكبر بكثير مما اعترف به النظام السوري سابقًا.
وبحسب الصحيفة، تشمل هذه المواقع منشآت يُعتقد أنها استخدمت لأغراض البحث والتصنيع والتخزين، وكانت جزءًا من البرنامج الكيميائي الذي استخدمه الأسد خلال سنوات الحرب، حيث تم توثيق استخدام غازات مثل السارين والكلور ضد المدنيين والمعارضة المسلحة.
ووفقًا للصحيفة، فإن عدد هذه المواقع ومصيرها بقي مجهولًا منذ سقوط الأسد، الأمر الذي يشكل اليوم تحديًا بالغًا للحكومة المؤقتة.
قلق دولي
وأكدت "نيويورك تايمز" أن الخطر الكامن في هذه المواقع لا يقتصر على الأسلحة ذاتها، بل في إمكانية وصول جماعات متطرفة إليها، في ظل ضعف السيطرة الأمنية، مشيرة إلى أن غاز السارين يمكن أن يقتل خلال دقائق، بينما يؤدي الكلور وغاز الخردل إلى حروق واختناق.
وفي زيارة لمقر المنظمة في لاهاي خلال مارس/ آذار الماضي، تعهّد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بتدمير بقايا البرنامج الكيميائي السابق، والتعاون مع القانون الدولي، حسب الصحيفة. وقد سمحت الحكومة الجديدة لفريق من المفتشين بدخول البلاد هذا العام لبدء عمليات المسح والتوثيق.
ورغم هذه الخطوة، أشارت "نيويورك تايمز "إلى أن الوضع الأمني لا يزال هشًّا، خاصة في المناطق الساحلية التي شهدت في الأسابيع الأخيرة اشتباكات بين قوات حكومية وفصائل مؤيدة للأسد. كما أن الحكومة لم تعيّن حتى الآن ممثلًا دبلوماسيًا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ما يثير تساؤلات حول مدى التزامها.
وكان نظام الأسد قد أعلن في بداية الحرب عن 27 موقعًا فقط للمنظمة، وتم إغلاقها لاحقًا، لكن التحقيقات أظهرت أنه واصل استيراد مواد كيميائية وتصنيع أسلحة حتى عام 2018 على الأقل.
ونقلت الصحيفة عن مصادر داخل المنظمة أن التقدير الجديد الذي يشمل أكثر من 100 موقع، يستند إلى معلومات قدمها باحثون مستقلون ومنظمات غير حكومية وأجهزة استخبارات تابعة لدول أعضاء.
وقال رائد الصالح، قائد الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) سابقا (والذي عين قبل أيام وزيرا للكوارث والطوارئ في الحكومة السورية)، للصحيفة: "هناك الكثير من المواقع التي لا نعلم عنها شيئًا لأن النظام السابق كان يكذب على المفتشين".
فيما أوضح نضال شيكاني، مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية، أن مؤسسته تمكنت من تحديد عشرات المواقع الجديدة المحتملة، استنادًا إلى مقابلات مع علماء سوريين فرّوا إلى أوروبا.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن جهود التفتيش لا تهدف فقط لتأمين هذه المواقع، بل أيضًا لجمع أدلة قانونية حول الهجمات الكيميائية، تمهيدًا لمحاكمات دولية.
ووثقت منظمات حقوقية عشرات الهجمات التي أسفرت عن مقتل آلاف الضحايا، بينهم أطفال، وأشهرها هجوم السارين على غوطة دمشق عام 2013.
وكانت إسرائيل قد شنت العام الماضي ضربات جوية على منشآت تابعة للنظام كانت تُستخدم لتخزين أسلحة كيميائية، وفقًا للصحيفة، لكن من غير المؤكد إن كانت هذه الضربات قد دمّرت الأسلحة أو أدت فقط إلى تلوث بيئي وضياع الأدلة.
وقالت ناتاشا هول، الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن إن "الضربات التي أعقبت سقوط الأسد قد تكون حجبت مسار العدالة بدلًا من أن تساهم فيه".
وبحسب "نيويورك تايمز" فإن البرنامج الكيميائي السوري انطلق في السبعينيات بدعم من مئات العلماء الذين تلقوا تدريبهم في أوروبا، خصوصًا ألمانيا.
وفرّ عدد كبير منهم خلال الحرب، بينما بقي آخرون داخل البلاد. وتخضع المنشأة الأساسية لهذا البرنامج، "مركز الدراسات والبحوث العلمية"، لعقوبات دولية.
ورغم تعهدات الحكومة الجديدة، إلا أن مفتشي المنظمة ما زالوا متحفظين بشأن نواياها، بحسب الصحيفة.
في بلدة زملكا قرب دمشق، تقول الصحيفة إن تلة من التراب تقف دون أي علامة أو شاهدة.
وبحسب مسؤول محلي، دُفن في هذا المكان العشرات من ضحايا الهجوم الكيميائي عام 2013، لكن قوات الأسد، بعد استعادتها للبلدة في 2017، أزالت الشواهد وطمست القبور.