كشف مصدر أمني عراقي عن استنفار واسع لدى قادة الميليشيات بعد التصنيف الأمريكي الأخير الذي شمل أربع جماعات مسلّحة موالية لإيران باعتبارها "إرهابية"، مؤكدًا أن هذه الخطوة أثارت حالة من القلق داخل الأوساط القيادية للميليشيات.
وأوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"إرم نيوز"، أن "ترتيبات أمنية جرت خلال الساعات الماضية، تضمنت إعادة تموضع بعض القيادات الميدانية، وإخلاء مقرات حساسة في بغداد وعدد من المحافظات، إضافة إلى تغيير خطوط الإمداد والاتصالات الداخلية".
وكشف أن "قادة الميليشيات اتفقوا على عقد اجتماع موسّع خلال الأيام الثلاثة المقبلة، بهدف بلورة موقف موحد واتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بآلية التعامل مع التصعيد الأمريكي، سواء عبر التهدئة المرحلية أم عبر فتح مسار جديد من المواجهة".
وبحسب المصدر، فإن "المداولات الأولية بين بعض القيادات ربما تذهب باتجاه خيار التصعيد، الذي قد يتخذ شكل هجمات ضد القوات الأمريكية المنتشرة في العراق أو استهداف مصالحها الاقتصادية".
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت، الأربعاء، إدراج أربع جماعات عراقية على لائحة "المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO)"، وهي حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وحركة أنصار الله الأوفياء، وكتائب الإمام علي، حيث قالت في بيانها إن هذه الجماعات تورطت خلال السنوات الماضية في تنفيذ هجمات مباشرة ضد المصالح الأمريكية والتحالف الدولي في العراق وسوريا، وتلقت دعمًا مباشرًا من إيران شمل التمويل والتدريب والسلاح.
وتُعد هذه الخطوة تصعيدًا جديدًا في مسار التعامل الأمريكي مع الفصائل العراقية، ففي السابق، أُدرجت بعض هذه الجماعات وفق قائمة "الإرهابيين العالميين المحددين (SDGT)"، وهو تصنيف يقتصر على العقوبات المالية وتجميد الأصول ومنع التعاملات المصرفية المباشرة.
لكن التصنيف الحالي كـ"منظمات إرهابية أجنبية" أشد صرامة، كونه يفتح الباب أمام الملاحقات الجنائية لأي طرف يقدّم دعمًا ماديًا لها، ويمنع تلقائيًا أعضاءها من دخول الولايات المتحدة، فضلًا عن توسيع نطاق العقوبات الثانوية على الشركات والأفراد الذين يتعاملون معها في العراق أو خارجه.
وتزامن القرار مع ضغوط متزايدة تمارسها واشنطن على الحكومة العراقية لإنهاء نفوذ الميليشيات داخل مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، إذ ترى الإدارة الأمريكية أن استمرار هذه الميليشيات في أنشطتها لا يقوّض فقط الاستقرار الداخلي، بل يضعف الشراكة الأمنية والسياسية بين بغداد وواشنطن، ويجعل العراق ساحة صراع مفتوحة مع إيران وحلفائها.
وفي السياق، أوضح الخبير الأمني، عبد الغني الغضبان، أن "وضع الفصائل العراقية أو جزء منها على لائحة الإرهاب، يعني توفير مساحة لازمة للولايات المتحدة لاستخدام قانون مكافحة الإرهاب، بما يتيح لها شن ضربات سريعة ومختطفة على تلك الفصائل سواء كانت مواقع أم قيادات".
وأضاف الغضبان لـ"إرم نيوز" أن "الولايات المتحدة تمتلك اليوم أغطية قانونية متعددة، منها قانون 1973 الذي يفرض على الرئيس إبلاغ الكونغرس خلال 48 ساعة من شن أي حرب وأخذ موافقته خلال 60 يومًا، إلى جانب قوانين مكافحة الإرهاب، وهذا يمنح الإدارة الأمريكية مبررًا كافيًا للقيام بعمليات عسكرية محتملة ضد الفصائل العراقية، خصوصًا بعد التصنيف الجديد".
ويرى مختصون أن هذا التصنيف يهدف لعزل الميليشيات المستهدفة عن العمل بحرية داخل النظام السياسي العراقي، ويُحيّد القوى الأخرى من الانخراط معها في تحالفات مقبلة، خصوصًا أن واشنطن أوصلت رسالة واضحة بأن أي جهة تتعاون مع هذه الفصائل قد تجد نفسها لاحقًا على قوائم الاستهداف.
ورأى الأكاديمي، علي أغوان، أن "الولايات المتحدة تنظر بقلق إلى الانتخابات المقبلة في العراق، لأنها تخشى من أن يترجم الإطار التنسيقي ثقله المسلّح إلى نفوذ سياسي أكبر، وهذا يعني مزيدًا من السيطرة على النظام، لذلك جاء هذا التصنيف ليُضعف قدرة الجناح المسلح على التأثير المباشر في المشهد الانتخابي".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "الإدراج الجديد لا يقتصر على البعد الأمني، بل يتضمن بعدًا اقتصاديًا وقانونيًا، إذ يفتح الباب أمام مؤسسات أمريكية متعددة لملاحقة الشبكات المالية التي ترتبط بهذه الجماعات، وهذا الإجراء يوفر غطاءً شرعيًا لفرض عقوبات أوسع في المرحلة المقبلة، ما يعني أن نشاط هذه الفصائل لن يبقى محصورًا في الميدان العسكري، بل ستُستهدف أيضًا مصادر تمويلها وقنواتها الاقتصادية".