كشف مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأمريكية، أن العقوبات المفروضة على النظام الإيراني أدّت إلى ضياع معظم عائداته من النفط في شبكات فاسدة لتهريب النفط، لافتًا إلى أن طهران لا تحصل إلا على ثمن برميل واحد من كل 5 براميل تصدّرها.
وقال ميعاد مالكي، الرئيس السابق لمكتب الاستهداف العالمي للعقوبات في وزارة الخزانة الأمريكية، لموقع "إيران إنترناشيونال" المعارض، "هم يبيعون هذا النفط عبر شبكات فاسدة وأشخاص ومؤسسات سيئة السمعة سبق أن فُرضت عليهم عقوبات دولية. إنهم يحصلون فقط على ثمن برميل واحد من كل 5 براميل يصدّرونها، وحتى هذا المبلغ ليس مضمونًا أن يصل إليهم".
يشار إلى أن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على النظام الإيراني منذ عقود، لكن هذه الإجراءات اشتدّت عام 2018، عندما أطلق دونالد ترامب حملة "الضغط الأقصى".
وطوّرت طهران طرقًا معقدة للالتفاف على العقوبات، من بينها "أسطول الأشباح" من ناقلات النفط التي تُطفئ أجهزة الإرسال الخاصة بها وتلجأ إلى عمليات النقل من سفينة إلى أخرى؛ ما يصعّب تتبعها ويخفي مصدر النفط.
وأوضح مالكي، الذي عمل أيضًا في سلاح الجو الأمريكي، أن هذه الطرق تجعل بيع النفط مكلفًا جدًّا، وقال: "جزء كبير من الأموال يُنفق على النقل، والخصومات، والعمولات التي تُدفع لطبقات متعددة من الفاعلين الفاسدين. إنه مكلف. في الواقع، نشاط اقتصادي بلا جدوى ولا منفعة".
وعلى مدى نحو 8 سنوات عمل مالكي في مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، وأسهم في تصميم وتنفيذ حملات العقوبات التي أطلقتها وزارة الخزانة ضد إيران وحلفائها الإقليميين، بمن فيهم ميليشيا حزب الله وحركة حماس.
واعتبر مالكي، المولود في إيران والذي عايش بنفسه صعوبات الحياة هناك، أن العقوبات وسيلة لمساعدة الشعب الإيراني، لأن حكّام إيران لا ينفقون عائدات النفط في المصلحة العامة، وفق قوله.
وقال: "النظام الإيراني أنفق أي مال حصل عليه من بيع النفط والغاز على مؤيديه... هذه أموال الشعب. يجب أن تُصرف على الشعب. لكنني لم أر أي مؤشر على أن النظام أنفقها في هذا المجال. في المقابل، رأيت دلائل كثيرة على أن هذه الأموال تُستخدم للضغط على الناس".
وخلال الولاية الأولى لترامب، كان مالكي أحد مهندسي العقوبات ضد النظام الإيراني، وحاول توسيع نطاقها ليتجاوز قطاع الطاقة. وهو يعتبر أن فرض عقوبات على المؤسسات المالية والمصرفية الإيرانية كان جزءًا من هذه الإستراتيجية.
وأضاف: "كان هدفنا أن نرى كيف يمكن تصميم العقوبات بحيث يكون ضررها أقل على الناس وأكبر على النظام... العقوبات الأمريكية صُممت بطريقة لا تستهدف المواطنين العاديين... بل إن الحكومة الإيرانية هي المسؤول الحقيقي عن الضغوط على الشعب".
وفي عام 2019، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي.
ويرى مالكي أن هذه الخطوة من بين أكثر الإجراءات فاعلية ضد النظام الإيراني، بالنظر إلى الثروات الضخمة التي تسيطر عليها مؤسسات تحت إشراف خامنئي، مثل "مؤسسة المستضعفين" و"هيئة تنفيذ أوامر الإمام" و"آستان قدس رضوي".
وأكد أن كثيرًا من هذه المؤسسات، التي تهيمن على قطاعات حيوية في الاقتصاد الإيراني، تخفي أنشطتها تحت غطاء العمل الخيري. وقال: "إنهم يستثمرون في قطاعات المعادن والبتروكيماويات والزراعة. لكنهم لا يقومون إلا بالقليل من العمل الخيري". وأشار إلى أن العقوبات صُممت بحيث تبقى سارية حتى بعد خامنئي، بحيث تشمل خلفه والمقرّبين منه.
وقال مالكي: "هذه المؤسسات والهيئات وفروعها هي التي تُدير الاقتصاد الإيراني، وتسرق من شعبها، وفي الوقت نفسه تشارك في أنشطة مدمّرة كثيرة، من بينها تمويل الإرهاب، بدلًا من استخدام الموارد لمساعدة الاقتصاد الإيراني".
وفي يونيو/ حزيران 2025 دمّرت الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية أجزاء أساسية من البرنامج النووي الإيراني، وطالبت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي طهران باتخاذ "خطوة عاجلة وملموسة" للوفاء بالتزاماتها في إطار الضمانات النووية، أما فرنسا وألمانيا وبريطانيا فقد فعّلت الشهر الماضي "آلية الزناد"؛ ما قد يؤدي قريبًا إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
وقال مالكي إنه من غير الواضح مدى تأثير هذه الخطوة في الاقتصاد الإيراني، لكنه أضاف: "العقوبات الأمريكية ما زالت قائمة. أما إضافة عقوبات الأمم المتحدة، فلا أعرف إلى أي مدى ستخلق قيودًا مالية إضافية ملموسة للنظام، لكنها بلا شك ستزيد الضغط سياسيًّا. سترون تغييرات في طريقة تعامل الحكومات مع إيران وفي أسلوب تواصلها الدبلوماسي معها".
وتتراوح التقديرات بشأن تكاليف البرنامج النووي الإيراني بين 500 مليار دولار وتريليون دولار. وأوضح مالكي: "حتى إذا أخذنا التقدير الأدنى، أي نحو نصف تريليون دولار، فهذا يعادل ما بين 17 و20 سنة من عائدات النفط الإيرانية".
ومع ذلك، لم ينتج البرنامج النووي سوى نحو 11 إلى 12% من كهرباء البلاد. في حين أدّت زيادة انقطاعات الكهرباء في أنحاء إيران إلى اضطراب حاد في الحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية؛ ما أصاب حياة المواطنين والأعمال بالشلل.
وتابع: "فقط بنحو 15 مليار يورو (قرابة 16 مليار دولار)، كان بإمكان إيران بناء محطات توليد كافية لتجنّب تفاقم النقص". وختم بالقول: "حتى لو كان الهدف من البرنامج النووي الإيراني سلميًّا، فإنه لم يكن منطقيًّا اقتصاديًّا في أي وقت".