تجدد الجدل في العراق بشأن النسبة الحقيقية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، التي أُجريت يوم أمس الثلاثاء.
يأتي ذلك، بعد إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة الإقبال بلغت أكثر من 55%، فيما قالت مراكز بحثية إن النسبة الحقيقية لا تتجاوز 41% عند احتسابها وفق المعايير الدولية.
وأعلنت المفوضية، في بيان رسمي، أن عدد المصوتين في الاقتراعين العام والخاص بلغ نحو 12 مليون ناخب، من أصل 21 مليونًا و404 آلاف ناخب مسجل بايومتريًا، أي بنسبة مشاركة تصل إلى 56.02%، وهي أعلى نسبة تُسجّل منذ انتخابات عام 2014.
وأوضح البيان أن "عدد المصوتين في التصويت العام بلغ 10,898,327 ناخبًا، فيما شارك 1,084,289 ناخبًا في التصويت الخاص، الذي شمل القوات الأمنية والعسكرية".
غير أن تلك الأرقام واجهت تشكيكًا واسعًا من جانب مراكز متخصصة في الشأن الانتخابي، إذ كشف مركز "الخبرة الانتخابية" للدراسات، في بيان، أن النسبة الحقيقية للمشاركة لا تتجاوز 40.95% عند احتسابها وفق القواعد الدولية المعتمدة من الاتحاد الدولي للأنظمة الانتخابية (IFES)، والمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA).
وبيّن المركز أن "المفوضية اعتمدت في حساباتها عدد الناخبين المسجلين بايومتريًا فقط، في حين أن عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت رسميًا يبلغ 29,253,260 ناخبًا، بينهم أكثر من 8 ملايين لم يحدثوا بياناتهم، أو لم يحصلوا على البطاقة الانتخابية".
وأضاف أن "نسبة الـ 56% التي أعلنتها المفوضية تعكس حجم المشاركة داخل الفئة البايومترية، وليس ضمن الهيئة الناخبة الكلية، ما يجعل المقارنة مع المعايير الدولية غير دقيقة".
وفي هذا السياق، يرى الباحث في الشأن السياسي، عبد الله الركابي، أن "الجدل القائم حول نسب المشاركة يعكس أزمة ثقة متراكمة بين المفوضية والشارع العراقي، إذ إن جزءًا كبيرًا من المواطنين حُرم فعليًا من التصويت لعدم امتلاكه البطاقة البايومترية، رغم أنه مشمول في سجل الناخبين الرسمي".
وأضاف الركابي، لـ"إرم نيوز"، أن "الفرق بين النسبتين – 56% وفق المفوضية و41% وفق المراكز البحثية – يعني ببساطة أن قرابة تسعة ملايين ناخب لم تُحتسب مشاركتهم في التقييم النهائي، وهو ما يغير الصورة العامة لمزاج الشارع وحجم الإقبال السياسي".
وأشار إلى أن "إغفال هذه الفئة يضع العملية الانتخابية أمام تساؤلات قانونية وفنية، لأن معيار المشاركة الفعلية يجب أن يُبنى على إجمالي عدد من يحق لهم التصويت، لا على من حدثوا بياناتهم فقط"، مؤكدًا أن "المفوضية بحاجة إلى مراجعة منهجيتها في الإعلان لضمان الشفافية وطمأنة الجمهور".
ورغم هذا الجدل، أكدت المفوضية أن العملية الانتخابية "جرت بانسيابية تامة وضمن التوقيت المحدد دون تمديد أو خروق فنية"، مشيرة إلى أن أكثر من 39 ألف مركز اقتراع في عموم المحافظات أُغلقت عند السادسة مساء الثلاثاء، وأن عمليات العد والفرز اليدوي بدأت فورًا بحضور وكلاء الكيانات السياسية والمراقبين الدوليين.
ووفق بياناتها الرسمية، شارك في هذه الانتخابات 7743 مرشحًا (منهم 2247 امرأة) يتنافسون على 329 مقعدًا نيابيًا، فيما بلغ عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت وفق قوائم المفوضية نحو 20 مليونًا و64 ألف شخص.
وتعدّ هذه الانتخابات السادسة منذ عام 2003، وجرت وسط إجراءات أمنية مشددة ومراقبة محلية ودولية واسعة.
وشدد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد على ضرورة احترام النتائج والتحلي بالروح الوطنية، فيما وصف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هذا الاستحقاق بأنه "تأكيد لمبدأ التداول السلمي للسلطة".
في المقابل، يرى مراقبون أن ارتفاع النسبة المعلنة مقارنة بالدورة السابقة (التي بلغت نحو 41%) لا يعني بالضرورة تحسن المشاركة الفعلية، بل يعكس – بحسبهم – تطورًا في آلية احتساب الأصوات بعد اعتماد قاعدة البيانات البايومترية فقط.
ويشير متابعون إلى أن محافظات الجنوب، مثل ميسان والنجف وكربلاء، سجّلت نسب مشاركة متدنية تراوحت بين (17-20)%، في حين تخطّت المشاركة في محافظات مثل الأنبار ونينوى وصلاح الدين حاجز 30%، وهو ما يعزز فرضية التفاوت الكبير بين المناطق، ويؤكد غياب المشاركة الواسعة على المستوى الوطني.