عزز إعلان المغرب وألمانيا إطلاق "حوار استراتيجي" بعد أزمة شهدتها العلاقات بين الرباط وبرلين التكهنات باعتراف برلين بسيادة المغرب على الصحراء المتنازع عليها مع جبهة "البوليساريو".
وأجرى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، أمس الخميس، مباحثات ثنائية شملت العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز علاقات التعاون في عدة مجالات.
وتعتبر زيارة الوزيرة الألمانية للرباط؛ الأولى من نوعها بعد أزمة دبلوماسية بين البلدين.
وبدأ الجانبان مساعي منذ العام 2021، لإصلاح العلاقات بعد قرابة عام من التوتر، الذي تسبب فيه موقف برلين من قضية الصحراء وذلك بعد أن انتقدت الحكومة الألمانية وقتها اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب عليها.
"حل واقعي"
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية ومدير مختبر الأبحاث القانونية وتحليل السياسات بجامعة القاضي عياض بمراكش المغربية، محمد الغالي، إن "الموقف الألماني لم يعد كما كان سلبيا تجاه قضية الوحدة الترابية للمملكة".
وأضاف الغالي لـ"إرم نيوز" أن "اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المغربي مع نظيرته الألمانية هو الذي أكد على استئناف الحوار الاستراتيجي بما يخدم المصالح المشتركة بين البلدين".
وأشار إلى أنه تم خلاله "التأكيد على التعاون والشراكة وبناء الثقة بين الدولتين في مجموعة من المجالات خاصة المتعلقة بالهيدروجين الأخضر والطاقة والاستثمار وتمكين المرأة وتعزيز دورها".
وأوضح أنه "تم التأكيد أيضا خلال هذا اللقاء على أهمية مبادرة الحكم الذاتي كمبادرة قوية وذات مصداقية على اعتبار أن مسألة انفصال الصحراء هي مسألة لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع".
وتابع: "بالتالي فمبادرة الحكم الذاتي التي تطرحها المملكة المغربية تعتبر حلا واقعيا لإدارة وطي هذا الصراع بشكل نهائي".
ولفت إلى أن "هذا اللقاء يكرس أيضا الرسالة التي رفعها رئيس ألمانيا الاتحادية في 25 يناير 2022 إلى الملك محمد السادس والتي دعاه من خلالها إلى زيارة ألمانيا وأهمية الإصلاحات التي عرفتها المملكة المغربية سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي".
ويأتي ذلك في وقت يرهن فيه المغرب أي تعزيز للشراكة مع بقية الدول بالموقف من الصحراء.
وتنص مبادرة الحكم الذاتي التي تطرحها الرباط على منح الإقليم حكما ذاتيا لكنه يبقى تحت سيادتها وهو مقترح ترفضه جبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر.
"خطوة هامة"
من جهته، اعتبر المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق أن "السياسة الخارجية للمغرب تغيرت، وأن خطاب الملك محمد السادس الأخير، كان واضحا إذ رسم بوضوح توجهات المملكة".
وأضاف لزرق في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "قضية الصحراء هي المحرك الأساسي للسياسة الخارجية وللحوار الاستراتيجي بين الرباط وبرلين".
وتابع: "أعتقد أن إطلاق الحوار الاستراتيجي هو مقدمة لاعتراف ألمانيا بسيادة المملكة على صحرائه في إطار علاقات خارجية مبنية على الوضوح بعيدا عن المواقف الفضفاضة".
وشدد على أن "الاعتراف الألماني سيكون خطوة هامة في اتجاه حسم أوروبا لموقفها تجاه المغرب وقضية الصحراء لأنها قضية تهدد الأمن والاستقرار جنوب البحر الأبيض المتوسط".
"أساس صلب"
بدوره، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط الحسن بلوان إن "زيارة وزيرة الخارجية الألمانية إلى الرباط تكتسي أهمية قصوى في طريق العلاقات المغربية الألمانية".
وأكد بلوان أهمية الزيارة من "حيث التوقيت وكذلك من حيث القضايا الثنائية المطروحة على جدول هذه الزيارة الهامة وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "الموقف الألماني من الصحراء المغربية تغير جملة وتفصيلا بعد حكومة أنجيلا ميركل، وقد عبرت الحكومة الألمانية الحالية مباشرة بعد توليها دعمها للموقف المغربي من خلال اعتبار الحكم الذاتي أساسا صلبا لحل واقعي وذي مصداقية للنزاع المفتعل".
وتابع: "الزيارة دشنت فصلا جديدا لحوار استراتيجي بين البلدين، وتعاونا ثنائيا مثمرا في مجموعة من المجالات".
وأردف: "لكن اللافت هو إعادة تأكيد الموقف الألماني بكل قوة ووضوح من الصحراء المغربية باعتبار مقترح الحكم الذاتي الأساس الوحيد لأي حل سلمي تحت قبة الأمم المتحدة مشيدة بالجهود المغربية التي يبذلها من أجل الوصول إلى تسوية سلمية".
وقال مختتما حديثه: "أما الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه الجنوبية فهو تحصيل حاصل في الموقف المغربي الذي انخرط إلى جانب دول عظمى كالولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى مؤثرة في الموقف الداعم لمغربية الصحراء بما لا يدع مجالا للشك أو التأويل".
مجرد خطوة
في المقابل قلل المحلل السياسي محمد علي خليفة، من أهمية "الحوار الاستراتيجي" الذي تم إطلاقع بين المغرب وألمانيا.
واعتبر خليفة أن "ما حصل هو مجرد خطوة فقط يبقى من المبالغة القول إنها ستمهد لاعتراف ألمانيا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية".
ورأى في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أنه "من السابق لأوانه الحديث عن اعتراف ألمانيا بالصحراء المغربية"، مشيرا إلى أن "السياسة الخارجية الألمانية تختلف عن نظيرها في إسبانيا".
وقال إن "الطريق لا تزال طويلة أمام اعتراف ألمانيا بالصحراء الغربية، لأن هناك بعض آثار التوتر الناجم عن مواقف حكومة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بشأن مغربية الصحراء، لا تزال موجودة و تحتاج إلى مزيد من الوقت لتجاوزها".
وكان الخلاف مع ألمانيا قائما بشكل أساسي بشأن قضية الصحراء الغربية، وذلك عقب دعوة برلين إلى اجتماع مجلس الأمن للاعتراض على قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعد اعتراف إدارته بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.