وسط دعوات لتوحيدها أو حلها والتحذير من تداعيات ذلك، لا يزال مصير النقابات الأمنية في تونس، غامضًا، فيما تتصاعد المخاوف من الاستقواء بالنقابات للإخلال بواجب تأمين المواطنين والتظاهرات التي تتم إقامتها.
وفجرت حادثة إيقاف عرض مسرحي للفنان التونسي لطفي العبدلي من قبل أمنيين، دعوات جديدة إلى حل النقابات الأمنية القوية في البلاد.
ودعا الرئيس التونسي قيس سعيد، أمس الأربعاء، خلال استقباله وزير الداخلية توفيق شرف الدين، إلى توحيد النقابات الأمنية، مؤكدًا أن حق الأمنيين بالانضمام إلى نقابات مضمون دستوريًا لكن يُمنع على الأمنيين الإضراب.
وحذّر "سعيّد" من أن عدم تأمين التظاهرات الجماهيرية تحت أي ذريعة كانت، يعد "إضرابًا مقنعًا"، وإخلالًا بالواجب المهني.
لكن النقابات الأمنية رفضت مقترح توحيدها، وقال أمين عام نقابة قوات الأمن الداخلي عز الدين الجبالي في تصريح لإذاعة "إي أف أم" المحلية، إن "للتعددية النقابية إيجابيات عديدة على عكس توحيدها"، مشيرًا إلى أن توحيد النقابات يمكن أن يؤدي إلى سلطة مسلحة موازية، من المحتمل أن تصبح في مواجهة مع الإدارة.
وفي وقت سابق، أعلنت النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي، رفضها تأمين أي عمل يتضمن خدشًا للحياء، معتبرة أنه جريمة يعاقب عليها القانون، وقال الناطق الرسمي باسم النقابة شكري حمادة، إنه لا أحد بإمكانه حل النقابات الأمنية بالقانون أو بغير القانون.
وأضاف حمادة في تصريحات خاصة لـ "إرم نيوز"، أن "هناك حملة ممنهجة ضدنا، وهي حملة سياسية من قبل أطراف تقوم بالعمل السياسي، ونحن نقول لهم أبعدونا عن هذه الخلافات، لأن عملنا هو تطبيق القانون".
وحول الانتقادات التي طالت النقابات الأمنية بسبب إعلان عدم تأمين أي عرض يخدش الحياء، قال حمادة، إن "هذا تطبيق للقانون، والفصل 126 من المجلة الجزائية ينص على سجن كل من يخدش الحياء".
لكن الناشطة بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نجاة الزموري، قالت، إن "تكوين الأطراف الحاملة للسلاح لنقابة أمر خطير جدًا ما لم تستب الديمقراطية بعد ويتم تنصيب أعمدتها، وهذا موقف الرابطة منذ البداية"، مضيفة أنه "من المفترض أن نؤجل مسألة النقابات للقوى الحاملة للسلاح، وأصبحنا نخشى أن تتم مطالبة الجيش بتكوين نقابات".
وأكدت الزموري في تصريحات خاصة لـ "إرم نيوز"، أنه "منذ 2011 طالبنا بأن يكون الأمن جمهوريًا ويؤمن بقيم الجمهورية ومدنية الدولة والمهام الوحيدة المنوطة بعهدته، وهي حماية الشعب التونسي، والوقوف على نفس المسافة من جميع الأطراف والتجاذبات الإيديولوجية والسياسية قبل أن نبدأ بمطلب حل النقابات التي لا تفهم -مع الأسف- ما معنى أمن جمهوري".
وطالبت الزموري بحل النقابات، قائلة، إنه من الضروري حلها وهذا ما نكرره دائمًا حتى يقوم الأمني بدوره الأساس فقط، وأن يعي حقوق الإنسان والتعاطي مع الناس، وكبح جماحهم أمام الإيديولوجيات، وعدم تعبيره عن ميولاته السياسية، أي في النهاية أن يكون مهنيًا".
وختمت الزموري بالقول إن "ما نريده هو اللجوء للقضاء دائمًا، وحل النقابات شأنها شأن بعض الأحزاب، مثل حزب التجمع، وما حدث في صفاقس (خلال حفل الفنان المسرحي لطفي العبدلي) خروقات مهنية جسيمة مثلها مثل ما يحدث الآن في بعض المهرجانات في البلاد".
وحول إمكانية حل النقابات الأمنية، قال المحلل السياسي محمد بوعود، إنه "في الدستور الجديد الذي يمنع الإضراب على عدد من الأسلاك، ومن أبرزها الأمن، يمكن حل هذه النقابات التي تجاوزت كل صلاحياتها وانتقلت من العمل الوظيفي المبدئي إلى التدخل في شؤون أكبر من مهامها، وأصبحت عبارة عن سلطة قائمة بذاتها".
واعتبر بوعود أن "ما وقع في صفاقس حول مسرحية العبدلي، أثبتت فيه هذه النقابات أنها خارجة حتى عن نطاق سلطة وزير الداخلية الذي أصدر بيانًا أراد من خلاله تبرئتها، لكنها أصرت على موقفها في تحد للوزير وللدولة والمجتمع".
واعتبر بوعود في تصريحات أدلى بها لـ "إرم نيوز"، أن "هذا يثبت عليها قانونًا مخالفتها للأعراف والأحكام الجاري بها العمل وبالتالي يمكن حلها عبر القضاء".
وختم المحلل السياسي، قائلًا: "هذه المسألة رهان لقيس سعيد، ولا أعتقد أنه سيسعى إلى إنجازها باعتبار أنه يعول على هذه النقابات والقوى الأمنية في كثير من المهام لتركيز سلطاته، ولا ننسى أن أهم القرارات سواء الأمر 117 الرئاسي أو عزل القضاة قد أصدرها في زيارات ليلية إلى وزارة الداخلية، وهو لن يتورط في صدام معها في الوقت الحاضر".