رأت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن المفاوضات التي ستجمع الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو مع روسيا في فيينا تمثل جولة دبلوماسية تستهدف تجنب اندلاع أكبر عمل عسكري تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وقالت الصحيفة، في تحليل إخباري نشرته اليوم الإثنين، على موقعها الإلكتروني: "يهدد الصراع العسكري المحتمل، بعد الحشد العسكري الروسي على الحدود مع أوكرانيا، بالمزيد من زعزعة استقرار منطقة الاتحاد السوفييتي السابق، والتي شهدت انتفاضة شعبية الأسبوع الماضي في كازاخستان".
وأضافت: "ستكون هناك أيضاً عواقب وخيمة على البنية التحتية الأمنية التي حكمت أوروبا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي قبل 3 عقود".
وكتبت الصحيفة: "في خطوة أدت لتفاقم العلاقات المتوترة بالفعل بين واشنطن والكرملين، حشدت روسيا ما يقرب من 100 ألف جندي على حدودها مع أوكرانيا، وكشفت الولايات المتحدة وجود خطة روسية لغزو أوكرانيا بقوات قوامها 175 ألف جندي، ورغم التدريبات والعتاد العسكري الذي قدمته واشنطن للجيش الأوكراني، فإن كييف لن تكون لديها القدرة على إيقاف موسكو".
ورأت الصحيفة الأمريكية أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد إعادة رسم حدود أوروبا في أعقاب نهاية الحرب الباردة، وإقامة منطقة أمنية واسعة تسيطر عليها روسيا، وسحب أوكرانيا إلى المدار الروسي مرة أخرى، واستخدام القوة لتحقيق ذلك إذا اقتضت الضرورة".
ماذا يريد بوتين؟
وقالت "نيويورك تايمز" إن "بوتين البالغ من العمر 69 عاماً يتجه الآن نحو نهاية مشواره السياسي، ويبدو أنه مصرّ على تعزيز إرثه، وإصلاح أكبر كارثة من وجهة نظره في القرن العشرين، والتي تمثلت في تفكك الاتحاد السوفييتي".
وأشارت الصحيفة إلى أن "فرض النفوذ الروسي على أوكرانيا، التي يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة، يمثل هدفاً لاستعادة ما يراه بوتين وضع روسيا الحقيقي بين قوى العالم العظمى، إلى جانب الولايات المتحدة والصين، خاصة أنه وصف توسع الناتو شرق أوروبا بأنه تهديد وجودي".
ورأت أن "بوتين يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء 30 عاماً، إلى مرحلة ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وبالتالي فإن توقيت نشر القوات الروسية على الحدود الأوكرانية لم يكن مصادفة، حيث يسعى بوتين لتحفيز الدعم الشعبي، في وقت تنتشر فيه الجائحة ويتعثر الاقتصاد، وكذلك ما شهده العام الماضي من أكبر مظاهرات مناهضة لبوتين في روسيا منذ سنوات".
نتائج عكسية
وقالت الصحيفة: "رغم أن المحللين يصفون بوتين بأنه لاعب شطرنج ماهر، يستطيع التلاعب بالغرب، فإن مغامرته يمكن أن يكون لها تأثير عكسي".
وأضافت: "يمكن لحلف شمال الأطلسي (الناتو) تعزيز وجوده العسكري في دول البلطيق المجاورة لروسيا، وقد يؤدي فرض عقوبات قاسية على موسكو، ما يتسبب في تآكل شعبيته، في دولة أصابها الضجر من المغامرات الأجنبية، التي تستنزف الموارد، التي يفضل كثيرون رؤيتها وهي تُنفق على الداخل".
إدارة بايدن وأوروبا على المحك
ورأت الصحيفة أن "الصراع مع روسيا سيكون له نتائج مباشرة على اختبار عزيمة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في استعادة ثقة العالم في الولايات المتحدة كقوة عظمى، في أعقاب الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والانفصال عن التزاماتها الخارجية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب".
وفي نفس الوقت فإن "أوروبا تواجه خطر انقلاب الهيكل الأمني الذي ساعد على استقرار القارة منذ الحرب العالمية الثانية، كما أن هذا الصراع كشف ضعف الاتحاد الأوروبي، وفشله كقوة في السياسة الخارجية في العلاقات الدولية، حيث يفتقد الاتحاد الآن الدور الذي كانت تلعبه المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، والتي كان لديها القدرة على التأثير على القرار الروسي، من خلال علاقات العمل الجيدة مع بوتين"، بحسب "نيويورك تايمز".
وختمت الصحيفة تحليلها: "تتمتع أوروبا بعلاقات تجارية مهمة مع روسيا، وستخسر أكثر بكثير مما تخسره الولايات المتحدة من العقوبات المفروضة بعد الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا، كما أنها تعتمد على إمدادات الغاز الروسي، وهي نقطة ضعف نجح بوتين في استغلالها خلال الصراعات السابقة".