يجري زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، حوارات عبر وسطاء، مع قادة وزعماء الكتل الشيعية، بهدف إعادة المياه إلى مجاريها، استعدادًا للانتخابات النيابية العراقية المقررة في السادس من حزيران المقبل.
وكتب الصدر في تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر": إن "مشروعنا الانتخابي الخاص عبارة عن (مشروع عقائدي) فلن نتحالف تحالفات سياسية ما لم نقوي شوكة الدين والمذهب"، مضيفًا أن "أي جهة تطيع الشرع وتريد مصلحة المذهب وتعشق العراق وتسعى للإصلاح الفعلي وتعاقب الفاسدين، طاعة للمرجعية وتقديمًا للمصالح العامة، فنحن مستعدون للتعاون معهم (عقائديًا) لا سياسيًا، فتُعاد كرة الفساد مرة أخرى".
وأثارت تلك الدعوة، استغراب بعض الأوساط السياسية والنخب الثقافية، التي رأت في هذا الخطاب، عودة إلى المربع الأولى، وإحياءً للهويات الطائفية، الفرعية، على حساب الهوية الوطنية الجامعة.
ورغم مضي أيام على بدء حملة الصدر "العقائدية"، إلا أن الأطراف الشيعية التزمت الصمت حيال تلك الدعوة، ولم ترد أي كتلة سياسية أو تحالف على هذه المبادرة، وهو ما عزاه مختصون إلى ضعف الثقة بمشاريع الصدر، انطلاقًا من التجارب السابقة.
وكان الصدر قد قال الأسبوع الماضي: "أجد من المصلحة الملحة الإسراع بترميم البيت الشيعي، من خلال اجتماعات مكثفة لكتابة ميثاق شرف عقائدي وآخر سياسي".
هروب إلى الأمام
ويرى الخبير في الشأن العراقي، رمضان البدران، أن "إعلان الصدر، يمثل هروبًا إلى الأمام، بسبب التعقيدات الحاصلة في الساحة العراقية، وبروز جماعات أخرى مثل (ربع الله)، وربما يكون ذلك منفذًا للجماعات الولائية الأخرى، في إيجاد مشروعية جديدة لها، تحت مظلة الصدر".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "الصدر يحاول تكوين توليفة جديدة للشيعة في داخل العراق، لكن المؤكد أن تلك التوليفة لن تكون عراقية، وفق ما يريده الصدر، وإنما شيعية بامتياز -إن حصلت - بمشاركة أحزاب ومجموعات تابعة لإيران".
ويمتلك الصدر في البرلمان الحالي، كتلة "سائرون" وهي الأكثر عددًا في مجلس النواب؛ ما يتيح له تمرير القوانين التي يرغب بها وإبعاد أخرى، فضلًا عن التأثير في مئات المناصب العليا وطريقة توزيعها.
واتسم خطاب الصدر، خلال الفترة الماضية، بالدعوة إلى الوحدة الوطنية، والابتعاد عن الطائفية، وتحالف عقب الانتخابات الماضية، مع كتل سنية ضمن تحالف أوسع (تحالف الاصلاح)، لكنه مع إعلانه مؤخرًا رغبته بحصول تياره على رئاسة الحكومة، اعتمد الخطاب الداخلي "الطائفي".
ويقول معنيون بالشأن العراقي: إن "الكتل السياسية والأحزاب الأخرى الشيعية، لا تثق كثيرًا بالصدر، بسبب مواقفه السابقة، وتغيرها بسرعة، فضلًا عن عدم وضوح مساره السياسي إن كان بجانب إيران أم مناوئا لها، وهو ما يجعل تلك الأحزاب تخاطر بالتحالف معه، وتضيع على نفسها فرصة أكبر لو تحالفت فيما بينها، مدفوعة بتقارب رؤيتها".
تزامنت مع صعود الهوية الوطنية
وما أثار استغراب الأوساط المعنية من دعوة الصدر، مجيئها عقب الاحتجاجات الشعبية التي نادت على الدوام بالابتعاد عن الاستقطاب الطائفي، وتأسيس تحالفات سياسية على أساس الوطنية، وهو ما دفع أطرافًا شيعية كذلك إلى تبنى تلك الرؤية، مثل تيار الحكمة، بزعامة عمار الحكيم.
ويؤكد نائب عن التيار الصدري: أن "عدم تفاعل الأطراف الأخرى مع دعوة الصدر، قد يأتي بسبب بُعد وقت الانتخابات، أو برود علاقتها معنا، وهذا ما دفع الصدر إلى المبادرة وفتح قنوات أخرى، مع تحالف الفتح الذي يضم الأجنحة السياسية للحشد الشعبي، وكذلك أطراف من ائتلاف دولة القانون، وعُقدت عدة اجتماعات خلال الأيام الماضية، مع هذه الأطراف، ورغم قلقها من هذا التوجه، لكنها رحبت بالفكرة من حيث الأصل".
وأضاف النائب الذي طلب إخفاء اسمه لـ"إرم نيوز"، أن "الهدف من دعوة الصدر، تأتي لترتيب البيت الشيعي الداخلي، وأن الحديث عن انضمام مجموعات مسلحة أو تشكيلات إلى هذا الحلف، غير صحيح، بل إن الصدر اشترط عدم دخول مثل تلك الفصائل مع الأحزاب السياسية والتحالف المقبل".
أحزاب تبحث عن نفسها
وعمدت بعض الأحزاب إلى اعتماد تكتيك "أحزاب الظل" للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، حيث شكل تيار الحكمة، حزبًا آخر، تحت مسمى "حركة وعي" برئاسة صلاح العرباوي، أحد المقربين من الحكيم، فيما غيرت بعض الأحزاب تسميتها، مثل حزب الفضيلة إلى "النهج الوطني"، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة من تلك الأحزاب لتغيير جلدها.
وفي ظل الظروف التي تعيشها مجمل الأحزاب العراقية، بسبب حالة الإخفاق العامة، جاءت دعوة الصدر لترميم "بيت الطائفة"، لتضيف تعقيدًا للساحة السياسية، لجهة أن تلك الأحزاب تعاني أصلًا من تفكك وانشقاقات داخلية، وغير مؤهلة لخوض غمار التحالفات، وفق مراقبين.
ويرى المحلل السياسي، عماد محمد: أن "الأطراف الشيعية غير مستعدة في الوقت الراهن، لمثل هذه الدعوة، خاصة وأنها جاءت من الصدر، التي عاشت معه على الدوام حالة من التنافر وعدم التوافق، وتقلب مواقفه الدائم، فضلاً عن أن تلك القوى ترى في تلبية دعوة الصدر تنازلاً له، وإقرارًا بزعامته للمكون الشيعي برمته".
وأضاف عماد لـ"إرم نيوز": أن "المالكي -مثلًا- على خلاف دائم مع الصدر، وكذلك تحالف الفتح الذي يضم أجنحة الحشد الشعبي السياسية، فيما هناك تناقض في الرؤية بين الصدر والحكيم، الذي يدعو دائمًا إلى تشكيل تحالفات على أساس وطني جامع".