يتفق رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق عاموس يدلين، مع الكثير من المحللين حول حقيقة أن اغتيال العالم الإيراني النووي محسن فخري زادة، أمس الجمعة، يشكل ضربة قاصمة لما تقول إسرائيل إنه برنامج إيراني سري يستهدف امتلاك القنبلة النووية.
ويعتقد يدلين، والذي يترأس مركز بحوث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أنه إذا كان مطلع العام الجاري قد شهد ضربة كبيرة لاستراتيجية فرض الهيمنة الإيرانية بالمنطقة، عبر اغتيال الجنرال قاسم سليماني، فإن أواخر 2020 يشهد ضربة كبيرة تتمثل في اغتيال أبرز الشخصيات التي قادت جهود إيران نحو امتلاك القنبلة النووية.
وعبر يدلين عن وجهة النظر تلك عبر القناة الإسرائيلية "أخبار 12" التي نشرت تحليلا له، اليوم السبت، أشار خلاله إلى أن الاغتيال يضع في الواجهة 4 أسئلة أساسية، وهي أولا من المسؤول؟ وماذا أراد أن يحقق؟ وما هي تداعيات الاغتيال على البرنامج النووي الإيراني؟، وأخير كيف سترد إيران؟، وفي النهاية، وضع يدلين بعض التوصيات التي ينبغي على إسرائيل أن تتبعها لاستيعاب تداعيات الاغتيال.
وأشار إلى أن من نفذ الاغتيال بالأمس أراد تحقيق 3 أهداف، أولها ضرب البرنامج النووي الإيراني، وثانيها خلق حالة من التصعيد تقود إلى تطور الأمور لتوجيه ضربات عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية، ومنع إدارة بايدن من العودة إلى الاتفاق النووي.
عمليات سرية
وذكر رئيس مركز بحوث الأمن القومي الإسرائيلي، أن الأمريكيين كانوا أعلنوا مسؤوليتهم المباشرة عن اغتيال قاسم سليماني في حينه، أما في عمليات أخرى تم تنفيذها الصيف الماضي، وعلى رأسها ضرب موقع نووي يضم أجهزة طرد مركزي حديثة في مفاعل "نظنز" لم يعلن أحد مسؤوليته، وهو الأمر ذاته فيما يتعلق باغتيال فخري زادة.
ويرى يدلين أن إدارة ترامب تبنت استراتيجية تقوم على حقيقة أنه "لا يشترط أن تتسبب كل عملية ضد إيران في إشعال الحرب"، وأنها رفضت التعاطي مع الرؤية التي قامت على أساس الامتناع عن أي عمل عسكري ضد إيران لأنه سيؤدي إلى حرب بالمنطقة، ومن ثم يعتقد رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق أن إدارة ترامب "تبنت أحيانا رؤية إسرائيلية ترجح أن العمليات المحددة والمنهجية والسرية والتي تشبه العمليات الجراحية تتيح أيضا للطرف الآخر مساحة من النفي والتخبط".
ويعني ذلك أن العمليات السرية التي لا يتم الإعلان عن الجهة المسؤولة والتي نفذتها ترفع الحرج عن الطرف المعتدى عليه أمام الرأي العام الداخلي بشأن حتمية الرد، وتتيح له تجاوز تداعيات الضربة على الصعيد الداخلي من دون أن تهتز صورته بنفس درجة العمليات التي يعلن أحد الأطراف مسؤوليته عنها وتحتم توجيه رد انتقامي وفوري.
إرث ترامب
ووفق يدلين، يبدو أن الرئيس ترامب يصر على أن يترك خلفه إرثا ثقيلا من الضربات ضد التهديدات الكبرى في الشرق الأوسط، وعلى رأسها البرنامج النووي الإيراني، ودعمها لتنظيمات إرهابية، ومحاولات فرض الهيمنة على المنطقة، مضيفا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدوره "يصر على استغلال ما تبقى من ولاية ترامب لتحقيق آخر الإنجازات حتى ولو كان الثمن هو استهلال علاقاته مع الإدارة الأمريكية الجديدة بنغمة حادة".
وأشار يدلين إلى أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو الأخيرة إلى إسرائيل لم تكن مجرد زيارة لمستوطنة "بسغاوت"، كما أن تزامنها مع تسريبات أمريكية بشأن اغتيال الرجل الثاني بتنظيم القاعدة داخل طهران بواسطة الاستخبارات الإسرائيلية، والتغريدات التي أشارت إلى أن فخر زادة كان مطلوبا للموساد الإسرائيلي طوال سنوات، كل ذلك يدل على اتجاه واحد.
الرد الإيراني
ولفت إلى أن جميع الملابسات تمنح إيران المجال لإعلان مسؤولية إسرائيل عن الاغتيال، وأن هدف زادة الأسمى كان امتلاك إيران القنبلة النووية، لافتا إلى أنه إذا كانت إيران تمتلك برنامجا نوويا سريا فقد تلقى صفعة كبيرة ليس فقط كون الحديث يجري عن عالم، ولكن لأن هذا البرنامج سيفتقر حاليا إلى القيادة التي يمكنها أن تقود برنامجا من هذا النوع، معتبرا أن زادة من نوع القيادات التي يصعب تعويض غيابها أو العثور على بديل له.
وحول الرد الإيراني، يرى يدلين، أن هذا هو السؤال الأهم، وأنه حين تم اغتيال الجنرال سليماني قام الإيرانيون بتوجيه رد عسكري سريع وأطلقوا عشرات الصواريخ صوب قاعدة أمريكية داخل العراق، وهو الهجوم الذي أدى إلى كارثة إسقاط طائرة مدنية أوكرانية ومقتل العشرات ممن كانوا على متنها.
ويتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني إسرائيل باغتيال العالم الإيراني النووي فخر زادة، وتكتظ وسائل الإعلام الإيرانية بالتصريحات التي تحمل تهديدا بتوجيه رد انتقامي لإسرائيل، سواء بسبب الاغتيال أو من أجل استعادة صورة الردع الإيرانية.
لكن مع ذلك، يعتقد رئيس مركز بحوث الأمن القومي الإسرائيلي أن هناك حالة من الحذر في طهران بشأن توجيه رد وما يمكن أن يسببه من ضحايا وبأي حجم، إذ يخشى الإيرانيون أن يجلب الرد معه ردا آخر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وذريعة لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
ويضع يدلين في الحسبان أن الرئيس ترامب أجرى مشاورات مؤخرا مع مستشاريه، وأن هناك تقديرات لديه بأن الإيرانيين وصلوا إلى مرحلة من القدرة على تحليل المعطيات والتفكير السليم بشأن ردهم على عمليات من هذا النوع، وما ستسببه لهم من خسائر إضافية، وعرفوا كيف يمكنهم تأجيل عملياتهم وتنفيذها في التوقيت والمكان المناسبين وضد الأهداف المناسبة.
وأردف أن إيران تنتظر بفارغ الصبر بداية ولاية جو بايدن، سواء كانت طهران ستنتقم أم ستتحلى بضبط النفس، لكن ردها في مستهل ولايته – لو حدث ذلك - قد يحول دون عودة واشنطن في ظل الإدارة الديمقراطية إلى الاتفاق النووي، مضيفا "وربما هذا هو هدف عملية اغتيال محسن زادة وتوقيتها".
صمت إعلامي
ودعا المسؤول الاستخباري الأسبق إسرائيل إلى الحفاظ على أقصى درجات الصمت الإعلامي، وأنه طالما تواجه إيران حالة من التخبط، وتلتزم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" بعدم التعليق، وتقوم مصادر استخبارية أمريكية بتسريب معلومات للإعلام الأمريكي بتورط إسرائيل، فإنه ينبغي على إسرائيل الرسمية أن تتحلى بالصمت.
وحث يدلين صانع القرار الإسرائيلي على العمل من أجل وضع افتراضات بشأن طبيعة الرد الإيراني الذي يمكنه أن يأتي، وضرورة وجود حالة من "اليقظة الاستخبارية" واستعداد من النواحي العملياتية للتعامل الفوري، وجاهزية نظم الدفاع الجوي الإسرائيلية إلى أقصى الدرجات.
وطالب بضرورة التحسب لاحتمال أن تستغل إيران أذرعها في لبنان أو سوريا، أو حتى العراق واليمن من أجل توجيه ضربة ضد أهداف إسرائيلية سواء حدودية أو أهداف بالخارج، وهو ما يحتم أيضا التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية من النواحي الاستخبارية والتنفيذية والدبلوماسية، وضرورة فتح قناة اتصال مع إدارة بايدن المنتخبة حتى لا تحدث أزمة تستمر طوال ولايته الأولى.