هل سبق أن بدا لك وجه يحدّق بك من الغيوم أو لحاء الأشجار أو حتى مقدمة سيارة؟ هذه الظاهرة المعروفة علميا باسم "وهم الوجه" أو الباريدوليا ليست اضطرابا نفسيا، بل استجابة طبيعية للدماغ البشري الذي يميل إلى البحث عن الوجوه في الأنماط المحيطة به.
وتشير أبحاث علمية حديثة إلى أن هذه الظاهرة قد تكون أكثر حدة وتكرارا لدى فئة معينة من الناس.
وبينت دراسة جديدة نُشرت في مجلة Perception أن الأشخاص المصابين بمتلازمة "الثلج البصري"؛ وهي حالة عصبية نادرة تسبب تشويشا بصريا مستمرا، يرون الوجوه الوهمية بشكل أقوى وأكثر تكرارا من غيرهم؛ ما يفتح بابا جديدا لفهم كيفية عمل الدماغ البشري وحدود إدراكه للواقع.
وتتسم متلازمة الثلج البصري برؤية دائمة لنقاط متحركة تشبه تشويش شاشات التلفاز القديمة، تمتد عبر كامل مجال الرؤية ولا تختفي حتى في الظلام. ورغم تزايد الوعي بهذه الحالة خلال السنوات الأخيرة، لا تزال أسبابها الدقيقة غير معروفة.
وتشير أبحاث حديثة إلى أن السبب المحتمل يعود إلى فرط نشاط القشرة البصرية في الدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن تفسير الإشارات البصرية، هذا النشاط الزائد قد يؤدي إلى معالجة مفرطة للمعلومات؛ ما يربك الإدراك البصري اليومي.
وغالبا ما تترافق هذه المتلازمة مع أعراض أخرى، مثل الصداع النصفي، والحساسية الشديدة للضوء، وظهور آثار بصرية تستمر بعد حركة الأجسام؛ وهو ما يجعل التجربة البصرية مرهقة ومربكة للمصابين.
وتكشف هذه النتائج أن الدماغ لدى المصابين بهذه المتلازمة قد يكون مفرط الحساسية، فيطلق "إنذارات خاطئة" مبكرة، مثل تفسير شكل عشوائي على أنه وجه، دون أن يتم تصحيح هذا التخمين لاحقا كما يحدث عادة لدى الأشخاص الأصحاء.
ويوضح الباحثون أن النظام البصري البشري يعمل عادة عبر تخمينات سريعة يعقبها تحقق أبطأ، لكن فرط النشاط العصبي قد يعطل هذه الآلية؛ ما يؤدي إلى تضخيم الأوهام البصرية بدل تصحيحها.
اللافت أن الصداع النصفي، الذي يرتبط هو الآخر بزيادة النشاط القشري، بدا وكأنه يضاعف هذا التأثير. وتشير البيانات إلى أن اجتماع الصداع النصفي مع متلازمة الثلج البصري يجعل الدماغ أكثر قابلية لرؤية الوجوه الوهمية؛ ما قد يعكس مسارا عصبيا مشتركا بين الحالتين.
ويرى الباحثون أن هذه العلاقة قد تُستثمر مستقبلا لتطوير أدوات تشخيصية بسيطة وسريعة، خاصة للأطفال أو المرضى غير القادرين على وصف تجاربهم البصرية بدقة.