كشفت أبحاث علمية حديثة أن دورة الحيض يمكن أن تعيد تشكيل مناطق رئيسية في دماغ المرأة تتحكم في العاطفة والذاكرة والسلوك، مما يقدم فهمًا أعمق لما يُعرف شعبيًّا بـ"دماغ الدورة الشهرية".
ولطالما عرف العلماء أن هرمون الإستروجين يمكن أن يؤثر في بنية دماغ الحيوانات، لكن تأثيره في الدماغ البشري ظل غير واضح. الآن، أظهرت دراسات تصوير بالرنين المغناطيسي على أكثر من 50 امرأة، أجراها باحثون في ألمانيا وكاليفورنيا، أن تقلبات الهرمونات الجنسية، خاصة الإستروجين والبروجستيرون، خلال دورة الحيض التي تمتد 29 يومًا، تتسبب بتغيّرات ملموسة في المادة الرمادية والبيضاء في الدماغ.
قادت الدكتورة جوليا ساخر، من معهد ماكس بلانك، إحدى الدراسات، فقد استخدمت أجهزة تصوير عالية الدقة لمسح أدمغة النساء في ست مراحل من الدورة الشهرية. ووجد الفريق أن الحُصين، المنطقة المسؤولة عن الذاكرة والعواطف، تزداد سمكًا مع ارتفاع الإستروجين، ويعاد تشكيلها مجددًا مع زيادة البروجستيرون. وقد تم تسجيل هذه التغيرات في كل من الطبقة الخارجية (المادة الرمادية) والمناطق العميقة (المادة البيضاء) من الدماغ.
دراسة أخرى، قادها باحثون في جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، أكدت نتائج مماثلة، وأظهرت أن التغيرات الهرمونية لا تغير فقط حجم الدماغ، بل قد تحسّن أيضًا كفاءة نقل المعلومات بين مناطق الدماغ المختلفة من خلال تعديل مسارات المادة البيضاء.
وبحسب "ناشونال جيوغرافيك"، تشير هذه النتائج إلى أن دماغ المرأة البالغة أكثر ديناميكية مما كان يُعتقد سابقًا. ورغم وضوح التغيرات الهيكلية، يحذر العلماء من ربطها مباشرة بالأعراض العاطفية أو الإدراكية مثل تقلبات المزاج أو "ضباب الدماغ"، خاصة أن الدراسات شملت نساء أصحاء لم يُبلّغن عن أي أعراض من هذا النوع.
ويؤكد الخبراء أن هذه النتائج تسلط الضوء على الحاجة الماسة لمزيد من الأبحاث الموجهة لفهم خصوصية دماغ المرأة وتأثيرات الدورة الهرمونية. وتقول العالمة العصبية إميلي جاكوبس: "لدينا الآن صورة أوضح عن مدى قوة الهرمونات الجنسية في تشكيل بنية الدماغ".
ورغم أن حجم أو سماكة مناطق معينة في الدماغ لا تعني بالضرورة أداءً وظيفيًّا أفضل، فإن هذه الاكتشافات تؤكد مرونة الدماغ المذهلة، والتأثير العميق، الذي غالبًا ما يُستهان به، لدورة الحيض في بنيته.