تشير دراسة تجريبية صغيرة، إلى أن تعزيز "الحديث الداخلي" أو ما يُعرف بالحديث الذاتي الصامت، قد يساعد الأطفال المصابين بالتوحد على إدارة الضيق العاطفي بشكل أفضل.
واختبرت الدراسة التي نُشرت في مجلة "Autism Research"، نهجا علاجيا جديدا يُعرف باسم "التفكير بالكلام" (Thinking in Speech - TiS)، ووجدت أدلة أولية مشجعة على أن هذا النهج قد يسهم في الحد من أعراض اختلال التنظيم العاطفي لدى الأطفال المصابين بالتوحد ممّن يتمتعون بقدرة لفظية.
ويُعدّ اختلال التنظيم العاطفي سمة شائعة بين الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD)، ويظهر في صورة صعوبة في التعرف إلى المشاعر، أو التعبير عنها، أو التحكم بها.
وغالبا ما تؤثر هذه التحديات على الأداء اليومي والتفاعلات الاجتماعية، وتؤدي إلى الإحباط والقلق.
ويركز العلاج الذي تناولته الدراسة على بناء الحديث الداخلي كأداة لتنظيم المشاعر، إذ يلعب هذا النوع من الحديث دورا مهما في تنمية الوعي الذاتي، ومعالجة الانفعالات، وحل المشكلات؛ وهي وظائف قد تكون أقل تطورا لدى بعض الأطفال المصابين بالتوحد.
وأظهرت أبحاث سابقة أن ضعف مهارات الحديث الداخلي قد يسهم في صعوبة التنظيم الذاتي لديهم.
وطُوّر نهج "التفكير بالكلام" على يد جانيس ناثان، وهي أخصائية أمراض نطق وتخاطب متقاعدة، تم تشخيصها لاحقًا بالتوحد.
ولا يقوم هذا النهج على إخبار الأطفال بما يجب أن يقولوه أو يشعروا به، بل يهدف إلى نمذجة اللغة التي تساعدهم على التعرف إلى مشاعرهم ووضع استراتيجيات للتعامل معها.
فعلى سبيل المثال، قد تقول الأخصائية للطفل الذي يشعر بالإحباط: "هكذا يبدو الشعور بالصعوبة"، ثم تساعده على التعبير عن حاجته بعبارة مثل: "أحتاج إلى المساعدة".
ومع مرور الوقت، يُتوقع أن يطوّر الطفل هذه القدرة داخليًا ويبدأ في استخدامها تلقائيا.
وشملت الدراسة 22 طفلا مصابا بالتوحد يتمتعون بقدرات لفظية، تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عاما، وقُسّم المشاركون إلى مجموعتين: إحداهما بدأت العلاج فورًا، فيما انتظرت الأخرى لمدة 10 أسابيع.
وفي النهاية، تلقّى جميع الأطفال الجلسات كاملة، والتي شملت 16 جلسة مدة كل منها 30 دقيقة، عبر الإنترنت، خلال فترة 8 إلى 10 أسابيع، أشرف عليها أخصائيو نطق مدربون.
وبدأت كل جلسة بأنشطة يختارها الطفل نفسه، بحضور أحد مقدّمي الرعاية.
وشارك 9 معالجين معتمدين في الدراسة بعد اجتيازهم برنامج تدريب عن بُعد مدته 11 ساعة، تضمّن تعليما نظريا وتطبيقات عملية وتمارين لعب أدوار، إضافة إلى تقييمات للتغذية الراجعة.
وتم تقييم المعالجين بناءً على قدرتهم على تطبيق تقنيات "التفكير بالكلام" بمرونة وتعاطف، مع الحفاظ على احترام الذات لدى الطفل طوال فترة العلاج.
وأكمل مقدّمو الرعاية استبيانات تقييمية موحّدة في 3 مراحل: قبل بدء العلاج، وبعد 10 أسابيع، ثم بعد 20 أسبوعًا.
واستخدم الباحثون "مقياس اختلال التنظيم العاطفي" (EDI) لتقييم الشعور بالكدر (dysphoria) وسرعة وشدة الانفعالات (emotional reactivity).
كما استُخدم مقياس ثالث من مصدر مختلف لتقييم قدرة الطفل على ضبط مشاعره في حياته اليومية.
وأظهرت النتائج أن الأطفال الذين تلقّوا علاج "التفكير بالكلام" شهدوا انخفاضًا في درجات الكدر مقارنةً بأقرانهم الذين كانوا لا يزالون على قائمة الانتظار.
وتكررت هذه النتيجة لدى جميع المشاركين بعد انتهاء العلاج؛ ما يشير إلى أن فعالية العلاج لا تعتمد على توقيته، بل على تلقيه بحد ذاته.
كما لوحظت بعض التحسينات في سرعة التفاعل العاطفي وشدّته، خصوصًا في المجموعة التي تلقت العلاج لاحقًا، رغم أن هذه التغيرات لم تكن ذات دلالة إحصائية قوية في العينة الكاملة.
ومن المثير للاهتمام أن الأطفال الأصغر سنًا استفادوا بدرجة أقل من العلاج فيما يخص التفاعل العاطفي؛ ما يشير إلى احتمال وجود فروقات مرتبطة بالمرحلة النمائية.
وبينما لم يُظهر "التفكير بالكلام" تحسنًا كبيرًا في مؤشرات التنظيم السلوكي الأوسع كما تقيسه مقاييس الوظائف التنفيذية، إلا أنه بدا قادرا على التخفيف من الضيق العاطفي الذي يشعر به الأطفال.
ولم تُسجّل أي آثار جانبية خلال الدراسة، وأكملت معظم الأسر الجلسات بنجاح.
ويأمل فريق البحث في توسيع نطاق الدراسة.