logo
صحة

"الكريسماس" الذي لا يُحتفل به.. حكاية مأساوية أنقذت حياة الكثيرين

لقطة من أحد المختبراتالمصدر: (أ ف ب)

عند سماع مصطلح "مرض عيد الميلاد – الكريسماس"، يتبادر إلى الذهن في البداية ارتباطه بعيد الميلاد، غير أن هذه التسمية تحمل خلفية علمية وإنسانية تعود جذورها إلى منتصف القرن الماضي.

وارتبط الاسم بأول حالة شُخصت بما عرف لاحقًا بـ"الهيموفيليا ب"، لطفل كندي من أبويين بريطانيين يُدعى ستيفن كريسماس، كان يبلغ من العمر خمس سنوات، وقد شُخص بالمرض عام 1952 على يد باحثي التخثر روزماري بيغز وروبرت مكفارلين.

وفي ذلك الوقت، كان معروفًا نوع واحد فقط من الهيموفيليا، وهو مرض وراثي يسبب مشاكل في تخثر الدم ويعرّض المرضى لخطر النزيف الحاد نتيجة نقص عامل التخثر الثامن. لكن حالة ستيفن كشفت عن نمط آخر، حيث كان يعاني من نقص مختلف في بروتينات تخثر الدم، وهو ما عرف لاحقًا باسم العامل التاسع.

أخبار ذات علاقة

فحص السكري

أدوية السكري تعرّض مرضى النوع الثاني لخطر السعال المزمن

وشكل هذا الاكتشاف نقطة تحول علمية، إذ أُطلق على الحالة اسم "مرض كريسماس" نسبة إلى ستيفن كريسماس، لتعرف لاحقًا باسم الهيموفيليا ب، بينما يُعرف نقص العامل الثامن باسم "الهيموفيليا أ".

تطور المرض عبر السنوات

ومع مرور عقود طويلة على هذا الاكتشاف، طرأت تغييرات جذرية على حياة المرضى. فقد كان المصابون بالهيموفيليا أ وب يموتون في سن مبكرة لعدم وجود علاجات فعالة، غير أن تطور العلاج التعويضي بعامل التخثر أدى إلى تحسين متوسط العمر بشكل ملحوظ.

وينتج كل من نقص العامل الثامن (الهيموفيليا أ) ونقص العامل التاسع (الهيموفيليا ب) عن طفرات في الجينات المسؤولة عن ترميز عاملي التخثر الثامن والتاسع على التوالي، ما يعيق تخثر الدم بشكل طبيعي. وبما أن الحالتين مختلفتان، فإنهما تتطلبان علاجات مختلفة، في وقت تتزايد فيه الخيارات العلاجية باستمرار بفضل الجهود المتواصلة للباحثين والعلماء.

كما تُعد "الهيموفيليا ب" ثاني أكثر أنواع الهيموفيليا شيوعًا، إذ تحدث بسبب خلل في جين F9، يؤدي إلى نقص إنتاج العامل التاسع، وقد يكون هذا الخلل وراثيًا مرتبطًا بالكروموسوم X أو نتيجة طفرة جديدة تلقائية.

 

 

مرض الكريسماس

وتصدرت قصة الطفل ستيفن عناوين الصحف في عدد عيد الميلاد من المجلة الطبية البريطانية عام 1952، بعد اكتشاف مرضه منذ أن كان عمره عشرين شهرًا، إذ لوحظ أن دمه لا يتخثر بشكل طبيعي، وكان ينزف ويتعرض للكدمات بسهولة. وخلال زيارة العائلة إلى إنكلترا، أُرسلت عينة من دمه إلى مركز أكسفورد للهيموفيليا، وكشفت تجارب خلط الدم أن دم ستيفن يفتقر إلى بروتين مهم سرعان ما عرف باسم "عامل عيد الميلاد". ومع مرور الوقت، أصبح مرضه يُعرف باسم "مرض عيد الميلاد"، أي نقص العامل التاسع.

ويُعرف مرض كريسماس اليوم باسم "الهيموفيليا ب"، وهو اضطراب نزفي وراثي نادر، أما الهيموفيليا أ فتختلف عنه بأنها ناجمة عن نقص بروتين مختلف لتخثر الدم، ولذلك فهي أكثر شيوعًا بخمس مرات.

غير أن مسار حياة ستيفن حمل جانبًا مأساويًا آخر، إذ أصيب بفيروس نقص المناعة البشرية عام 1985 عبر منتجات الدم المستخدمة لعلاج الهيموفيليا، فيما عُرف لاحقًا بـ"مأساة الدم الملوث"، التي أودت بحياة آلاف الأشخاص آنذاك. وقبيل عيد الميلاد عام 1993، توفي ستيفن متأثرًا بمضاعفات مرض الإيدز، ليكون هو نفسه من فتح الباب أمام اكتشاف علمي أنقذ حياة الكثيرين حول العالم.

مرض ملكي

إلى جانب ذلك، اكتسب المرض لقب "المرض الملكي" بسبب انتشاره التاريخي في العائلات المالكة الأوروبية، لا سيما في سلالة الملكة فيكتوريا، التي كانت حاملة للمرض دون علمها. وقد انتقل الخلل الجيني عبر زواج بناتها إلى العائلتين الملكيتين الإسبانية والروسية، متسببًا في وفيات بين أفراد العائلة المالكة، أبرزها وفاة دوق ألباني الأمير ليوبولد وحفيد الملكة الأمير فريدريك، إضافة إلى معاناة ولي عهد روسيا ألكسيس.

 

أخبار ذات علاقة

الطفلة الراحلة ميرال

"وداعاً ميرال".. رحيل مؤثر لطفلة عُمانية إثر مرض نادر (صور)

ولم يُحسم الجدل العلمي حول سبب المرض في هذه السلالات إلا عام 2009، عندما أظهر فحص الحمض النووي لعظام العائلة الملكية وجود خلل جيني واحد في جين العامل التاسع هو سبب المرض.

وبذلك، لم يكن مرض "الهيموفيليا ب" مجرد حالة طبية، بل ترك أثرًا كبيرًا في تاريخ الأمراض الوراثية، ودفع لاحقًا إلى إعادة النظر في التسمية العلمية، مع دعوات حديثة لإحياء اسم "كريسماس" تكريمًا لقصة ستيفن الإنسانية والعلمية، التي غيرت فهم اضطرابات النزف إلى الأبد.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC