يأمل كل والد أن يكبر طفله ويظل يشعر بقربه، ليس بدافع الواجب، بل باختيار صادق، وهذا النوع من الرابطة الدائمة لا ينشأ بين ليلة وضحاها، بل يُبنى ببطء، من خلال لحظات بسيطة ومتعمدة تقول بهدوء ووضوح: أنت مهم بالنسبة لي، كما أنت.
ليست مجرد إيماءة أثناء تصفح الإنترنت أو أداء مهام متعددة، بل الإنصات الصادق.
عندما يشعر الأطفال بأن صوتهم مسموع، سواءً كانوا في الخامسة أو الخامسة والعشرين من أعمارهم، يشعرون بالتقدير.
الآباء الذين يضعون هواتفهم جانبًا ويمنحون أطفالهم كامل اهتمامهم يربون أطفالًا يدركون أنهم يستحقون وقت الآخرين.
عندما يقول الطفل: "أنا خائف" أو "أنا حزين"، قد يبدو التقليل من شأن هذه المشاعر مفيدًا، لكنه يُوحي بأن المشاعر مزعجة.
قول "أفهمك" أو "هذا يبدو صعبًا للغاية" يُعلّم طفلك أن الانفتاح أمر آمن، وأن المشاعر خُلقت للشعور بها، لا للجمود.
قول "أنا آسف" لا يُضعف سلطتك، بل يُعزز احترامك. عندما يرى الأطفال آباءهم يتحمّلون المسؤولية، يتعلمون أن العلاقات تقوم على الصدق والتواضع.
وعندما يكبرون، لن يترددوا في اللجوء إليك، حتى في أوقات الشدة.
ليس الأمر مجرد تنظيف الأسنان أو تحضير وجبات الغداء، بل الأغنية المضحكة التي تغنونها قبل المدرسة، وأحاديث ما قبل النوم، وأيام الأحد التي نتناول فيها الفطائر.
هذه اللحظات الصغيرة المتكررة تصبح جزءًا من ذاكرة طفلك العاطفية. وفي مراحل لاحقة من حياته، غالبًا ما تكون أكثر ما يتذكره أطفالكم.
ليس كل طفل يعكس شخصية والديه أو أحلامهما أو قيمهما، وهذا أمر طبيعي.
فالآباء الذين يظلون قريبين من أبنائهم في مراحل لاحقة هم من يتقبلون تفرد أبنائهم منذ الصغر.
إنهم يهتفون للراقص، واللاعب، والمفكر الهادئ، والمستكشف البريء، أياً كان طفلهم.
الجنس، الفشل، المخاوف، الصداقات، والقلق، كل هذه الأمور الصعبة. الآباء الذين يبقون قريبين من أبنائهم حتى سن البلوغ هم من لا يترددون في الخوض في المواضيع المزعجة.
إنهم يخلقون مساحةً لا يُمنع فيها شيء، ويتعلم أطفالهم: أستطيع التحدث مع والديّ عن أي شيء.
من المغري التمسك بالأطفال بشدة، لكن القرب لا يأتي من السيطرة، بل من الثقة.
مع نمو الأطفال، فإن الآباء يحافظون على التواصل معهم، هم من يمنحونهم الحرية بالتوجيه، لا بالخوف.
لا يأخذون طلب طفلهم للمساحة على محمل شخصي، بل يعتبرونه علامة على نمو صحي.
الحضور لا يعني حضور كل مباراة أو حدث (مع أن ذلك رائع أيضًا). بل يعني التواجد العاطفي.
يتذكر الأطفال من كان حاضرًا عندما كانوا يبكون في غرفتهم، أو يحتفلون بهدوء بفوز صغير.
تلك اللحظات هي التي تمنحهم الشعور بالأمان وتجعلهم يعودون للتواصل حتى كبالغين.