في سردية مدهشة تُعيد رسم ملامح أحد أعظم الانهيارات في التاريخ، توصل فريق علمي دولي إلى دلائل جديدة تربط بين تغير مناخي حاد وسقوط الإمبراطورية الرومانية.
البداية كانت على السواحل الغربية لآيسلندا، حيث عُثر على صخور غير مألوفة تم تحليلها بدقة، ليتبيّن أنها تعود إلى غرينلاند وقد جرفتها جبال جليدية بين القرنين السادس والثامن الميلادي.
ووفق ما نقلته "غيتي إيمجز" ومصادر علمية، فإن هذه الصخور تُعد أول دليل مادي على وجود نشاط جليدي كثيف ربط بين غرينلاند وآيسلندا في تلك الفترة الحرجة.
ويرجح الباحثون أن هذه المرحلة كانت عاصفة مناخيًّا، وقد عُرفت بما يُسمى "العصر الجليدي الصغير المتأخر" وهي فترة قصيرة لكنها شديدة البرودة، تسببت في انخفاض مفاجئ لدرجات الحرارة العالمية.
وبحسب الدراسة، لم يكن هذا مجرّد تغير طقسي، بل عامل ضغط ضاعف أزمات الإمبراطورية الرومانية، التي كانت تعاني أصلًا من انهيارات اقتصادية وعسكرية وسياسية.
وتجلّت تأثيرات ذلك التغير بسرعة بفشل المحاصيل الزراعية، وانتشرت المجاعات والأمراض؛ ما عجّل في تفكك الإمبراطورية. ويشير التحليل الدقيق لبلورات الزركون داخل تلك الصخور إلى أن هذا التبريد نشأ غالبًا عن ثلاث ثورات بركانية كبرى، حجبت الشمس لسنوات، فأثّرت في المناخ بشكل دراماتيكي.
ويصف البروفيسور توم غيرنون من جامعة ساوثهامبتون الصخور بأنها "تحمل بصمة نحت جليدي واضح، يعكس تنوّع الطبقات في غرينلاند"، مضيفًا أن هذا الاكتشاف يُبرز كيف أن اضطرابات مناخية في أقصى الشمال أثّرت في حضارات في أوروبا الجنوبية، ضمن نظام مناخي مترابط رغم المسافات الشاسعة.
أما من الجانب التاريخي، فيؤكد العلماء أن هذا التغير المناخي ربما كان "القشّة التي قصمت ظهر البعير"، خاصة مع تصاعد موجات الهجرة وتغيّر التركيبة الديموغرافية في القارة الأوروبية آنذاك.
ويقول الدكتور كريستوفر سبنسر، رئيس فريق البحث: "نحن أمام مشهد حيّ يُجسّد ترابط المصائر البشرية مع تقلّبات البيئة. هذه النتائج لا تُنير فصلًا من الماضي فحسب، بل تقدّم تحذيرًا صريحًا لهشاشة الحضارات أمام غضب الطبيعة".