إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية متفرقة على قطاع غزة تقتل 13 فلسطينيا خلال الساعات الأخيرة

logo
اتجاهات

إليزابيث... ما بقي من الإمبراطورية

إليزابيث... ما بقي من الإمبراطورية
09 سبتمبر 2022، 9:50 م

كانت الملكة إليزابيث الثانية التي جلست على العرش البريطاني سبعين عاماً، شاهداً على انتقال بريطانيا من إمبراطوريّة لا تغيب عنها الشمس إلى دولة أوروبيّة عاديّة تبحث عن مكان تحت الشمس.

عندما اعتلت العرش في عام 1952، كانت لا تزال في الـ26 من العمر. كانت بريطانيا لا تزال دولة استعمارية موجودة في القارات الخمس. انهارت الإمبراطوريّة وبقيت الملكة الصامدة في الدفاع عن مؤسسات العرش والديموقراطية البريطانيّة. فعلت ذلك عن طريق احترام هذه المؤسسات، بما في ذلك مؤسسة العرش الذي لا يتدخل في أي شأن سياسي. حتى الخطاب السنوي الذي تلقيه الملكة في مجلس العموم هو خطاب صادر عن الحكومة، عن رئيس الوزراء بالذات. يرسل نص الخطاب إلى القصر الملكي وتكتفي الملكة بقراءته في مجلس العموم من دون الحق في تغيير حرف.

في الدفاع عن المؤسسات البريطانيّة، تكمن قوة الملكة إليزابيث الثانية التي لم يسبق لأي ملك أو ملكة أن جلس على العرش طوال كل تلك السنوات التي جلستها. بقيت محبوبة من شعبها، على الرغم من بعض اللوم الذي وجه لها لدى موت الأميرة ديانا في آب (أغسطس) 1997. كانت ديانا زوجة الأمير تشارلز الابن البكر. لم تستطع أليزابيث الثانية إخفاء مشاعر عدم الرضا عن ديانا وتصرفاتها في مرحلة ما قبل مقتلها، مع عشيقها، في حادث سير وقع في باريس. لكن البريطانيين سارعوا إلى نسيان تلك المحطة.

لدى الاحتفال، قبل أشهر قليلة، بذكرى مرور سبعة عقود على اعتلاء أليزابيث الثانية العرش، لم يخف البريطانيون محبتهم لها ولا حماستهم لتكريمها في كلّ شارع من شوارع لندن.

لم تعد بريطانيا المملكة نفسها التي كانت عليها عام 1952. كان التمهيد للتحوّل الكبير خروج الهند من تحت الاستعمار البريطاني أواخر أربعينات القرن الماضي. لكنّ المنعطف الكبير كان حرب السويس في عام 1956 عندما ردت بريطانيا بمشاركة فرنسا وإسرائيل على تأميم جمال عبد الناصر قناة السويس بالعدوان الثلاثي على مصر.

لم يرق ذلك للرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور الذي أمر رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن بالانسحاب من قناة السويس. لم يأخذ عناء الاتصال شخصياً بإيدن. كلّف وزير خارجيته جون فوستر دالس بذلك. بالفعل، انسحبت بريطانيا وفرنسا من السويس وإسرائيل من سيناء... بمجرّد صدور الأمر الأميركي الواضح.

منذ لحظة السويس، فهمت بريطانيا أنّها لم تعد تستطيع شن حرب من دون موافقة واشنطن. في النهاية من حسم الحرب العالميّة الثانية، على الأرض، كان الجيش الأميركي وليس فقط صمود الشعب البريطاني بقيادة ونستون تشرشل.

أشرفت إليزابيث الثانية على انتقال بريطانيا من قوّة عظمى إلى دولة عادية. لعلّ أهم ما أشرفت عليه انسحابها من شرق السويس أواخر ستينات القرن الماضي.

لم يعد لدى بريطانيا ما يكفي من إمكانات يسمح بالإبقاء على وجود عسكري في منطقة الخليج... بما في ذلك ميناء عدن الاستراتيجي. لم يعد من دور بريطاني على الصعيد العالمي سوى الالتصاق بالدور الأميركي. لم يحصل تخلّ عن هذا الدور حتّى عندما انضمت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي. تبدو بريطانيا حالياً بحاجة إلى مزيد من الالتصاق بأميركا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهو خروج تسبّب به سياسيون شعبويون لا وزن حقيقياً لهم، ولا رؤية استراتيجيّة من أي نوع. سياسيون على شاكلة بوريس جونسون وآخرين مثله خططوا لبريكست، أي لكارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إثر استفتاء شعبي في 2016.

هناك مقالات كثيرة نشرت عن العلاقة الصعبة بين الملكة ومارغريت تاتشر التي أنقذت بريطانيا عندما تولت منصب رئيس الوزراء في عام 1979. وجدت تاتشر، عبر إعادة الحياة إلى الاقتصاد، دوراً جديداً لبريطانيا أوروبياً وعالمياً في ظلّ ازدهار داخلي. كانت تاتشر الملقبة بـ"المرأة الحديد" صعبة المراس حتى في تعاملها مع الملكة التي يقول أشخاص التقوها إنّها كانت سياسية محنّكة تعرف تفاصيل التفاصيل عمّا يدور في العالم. على الرغم من ذلك، استطاعت أليزابيث الثانية احتواء تاتشر نظراً إلى معرفتها الدقيقة بالحدود المرسومة بين التاج ورئيس الوزراء.

في عهد إليزابيث الثانية دخلت أوروبا الاتحاد الأوروبي وخرجت منه. تغيّرت طبيعة المجتمع البريطاني جذرياً. يؤكد ذلك عدد الملونين في حكومة ليز تراس رئيسة الوزراء الجديدة. تغيّرت بريطانيا ولم تتغيّر أليزابيث الثانية. لن يفتقدها مواطنوها لأنّها صارت جزءاً من حياتهم اليوميّة طوال سبعين عاماً فحسب، بل سيفتقدون أيضاً شجاعتها ومعرفتهم أنّها تمثّل صمام أمان في ما بقي من إمبراطوريّة تمرّ حالياً في أزمة عميقة. إنّها أزمة عميقة على كلّ المستويات، أزمة عميقة إلى درجة ليس معروفاً كيف يمكن أن تخرج منها بريطانيا في ضوء التغييرات التي يشهدها العالم، خصوصاً منذ نشوب حرب أوكرانيا.

النهار العربي

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC