لم يكن اكتساح العرض العراقي "سيرك" لجوائز الدورة الـ 32 من مهرجان "القاهرة الدولي للمسرح التجريبي"، والتي اختتمت فعالياتها أمس الاثنين، بمثابة مفاجأة للنقاد والمتابعين.
فقد حظي العمل بإشادة واسعة وأجمع الكل على أصالته وتميزه في اقتحام موضوع جريء ومختلف عبر عناصر بصرية لافتة.
وحصدت المسرحية العراقية 3 جوائز هي "أفضل ممثلة" والتي ذهبت إلى الفنانة شذى سالم و"أفضل ممثل" والتي ذهبت إلى الفنان علاء قحطان مناصفة مع الفنان البحريني محمد عبد الله، فضلا عن جائزة "أفضل نص" والتي ذهبت إلى مؤلف ومخرج العرض جواد الأسدي.
واللافت أن العمل العراقي هو الوحيد الذي حصد هذا الكم من الجوائز، في حين اكتفت بقية المسرحيات الفائزة بجائزة واحدة لكل منها مثل " أفضل مخرج" والتي ذهبت لمعز العاشوري عن المسرحية التونسية "روضة العشاق" و"أفضل سنوغرافيا" للعرض الإيطالي "كوبليا".
وتألقت الفنانة شذى سالم في تجسيد شخصية سيدة كسيرة الفؤاد، معذبة، تهرب إلى خارج الحدود فرارا من مدينة تعرضت للقصف والغزو ولم يعد يسكنها إلا بشر مقهورون يعانون من التسلط والاستبداد، القادمين من الخارج والداخل على حد سواء.
وتتصاعد الأحداث حين نجد أن تلك السيدة تعرضت للاعتداء الجسدي من جانب أحد الضباط الذي يمارس القهر على زوجها ويطالبه بالتخلص من الكلب الأليف الخاص به بحجة أن نباحه "مزعج"، فيمتثل الأخير.
وقدم الفنان علاء قحطان واحدا من أكثر الأدوار تعقيدا، فهو صاحب سيرك لا يستطيع توفير الحماية لزوجته، والأدهى أنه "يتعاون" مع الضابط المعتدي بزعم الرغبة في العيش والبقاء حيا، حتى لو على حساب كرامته.
واستطاع المخرج المخضرم جواد الأسدي توظيف عناصر السينوغرافيا من ديكور وإضاءة وملابس وأداء حركي واستعراضات جماعية لتجسيد أجواء من القتامة والحالة المأساوية العامة لمدينة تعاني الخراب وبشر يعانون الإنكسار.
ويرمز السيرك المهدم المتداعي والخاوي على عروشه في المسرحية إلى خراب المدن نتيجة الحروب، وما يتبعه من خراب الأرواح وانكسار البشر نتيجة القهر والتسلط وغياب الأمن.
جاءت اللغة البصرية في العمل لتعكس تلك الأجواء، حيث الديكور متقشف يوحي بالحزن والأسى من خلال ورود ذابلة ومنضدة معدنية باردة ومقاعد بسيطة لا توحي بالاسترخاء.
