بالتوجه إلى جبال القلمون الشرقية في سوريا، ستكتشف حكاية معتقة لمغاور قديمة على علوّ شاهق، يعود تاريخها إلى ما قبل ألف عام.
وبالانعطاف عن الطريق الدولي بين دمشق وحمص، مقابل مدينة النبك، يوجد طريق العرقوب، وذلك بعد قطع مسافة 15 كيلومترًا باتجاه الشرق، وبالتالي بلوغ جبل دير مار موسى الحبشي، الذي يطلّ برهبةٍ على البادية وطريق الحرير.
تعد هذه آخر نقطة يمكن الوصول إليها بالسيارة، وثم يتوجب الترجّل لمتابعة الطريق مشيًا على الأقدام وخوض امتحان صعب أمام جغرافيا موحشة وقاسية ترتفع 1320 مترًا عن سطح البحر.
على قاصد تلك المغاور أن يبدأ بصعود الدرب الضيق بين الصخور، ليُفاجأ بدرج حجريّ طويل، يتسلق جسد الجبل، متحايلًا على الانحدارات الصعبة، باتجاه القمة، حيث تظهر من بعيد في الأعلى، أطلالُ أبنيةٍ وقناطر وأبواب مغاور، تزيد حماسه للاكتشاف.
الدرج تم بناؤه حديثًا؛ ففي السابق كان زوار المكان، يتسلقون الجبل محفوفينَ بالمخاطر، نظرًا لضيق الطريق وانحداره القاسي على الوادي.
وأثناء الصعود، ثمة منحوتات على صخور ضخمة تم اكتشافها مصادفةً أثناء توسعة الطريق وبناء الدرج، فيما يبدو القاع متواضعًا وضئيلًا أمام احتمالات الاكتشاف في الصعود.
وهذه النقطة هي البداية التي جذبت النسّاك القدماء وأغرتهم للاستقرار في مغاور هذا الجبل الموحش والشاهق، منذ مئات السنين.
وعلى قمم مواجهة يصعب الوصول إليها، تظهر أبواب لمغارات، حيث لا طريق يوصل إليها، سوى الحبال والتسلق الهادئ والخطير، لكن المعلومات عن مغارة "أهل الكهف" و"مقبرة النسّاك المجهولين"، تؤكد أن ما تم اكتشافه هنا، كبير جدًا.
في الردهة الواسعة، أمام دير مار موسى الحبشي، يقف راهبٌ يستقبل الزوار ويقدم لهم الماء، ويدعوهم للجلوس وشرب الشاي، لالتقاط الأنفاس؛ لأن اكتشاف المغاور في الأعلى، يتطلب جهدًا إضافيًا.
يقول الراهب عن تاريخ الدير، إن "أشخاصًا كثيرين، يأتون إلى هنا، بهدف التأمل والانعزال والتمتع بالسكينة، داخل مغاور الجبل، واقتفاء أثر حياة النساك القدماء الذين ماتوا هنا".
ويضيف لـ"إرم نيوز": "عثرنا في عدة مغاور، على عظام بشرية لنساك قدماء مجهولين، ماتوا وحيدين في هذا المكان منذ مئات السنين، فجمعناها ودفناها في مقبرة خاصة ضمن مغارة واحدة".
المكان هنا واسع، والجدران رطبة، جعلها تتغلب على درجات الحرارة العالية في الصيف القائظ.
بإمكان أي شخص أن يحمل أغراضه ويأتي إلى هنا، كي يعيش التجربة عدة أيام، إن رغب، كما يؤكد الراهب الشاب، وهو يشير إلى أن بناء مدخل حجري للمغارة، كان من أجل هذا الهدف.
وعلى الجانب الآخر، تطل مغارات، يصعب الوصول إليها، وفي الجهة المقابلة، تبدو مقبرة النسّاك المجهولين، مليئة بالغموض والأسئلة.
وكانت قوافل طريق الحرير تمر من هنا، قبل أن تتابع طريقها باتجاه الجنوب نحو الأردن وفلسطين.
وأخيراً، لا يسمح غنى المكان، باكتشافه من زيارة واحدة، فعلى قمة الجبل المقابل تتموضع كنيسة قديمة يعود بناؤها لعام 1058 ميلادية، لكن الوصول إليها يتطلب تسلقًا صعبًا، لا يحتمل الزائر إنجازه خلال يوم واحد، وعلى الجهة المقابلة، تنتشر أقواس حجرية وغرف، بناها عشاق المكان خلال فترات مختلفة من الزمن.