دييغو أرماندو مارادونا، الأسطورة التي توقف قلبها في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات، لم يكن مجرد نجم كروي فذ.. بل شخصية فريدة امتلكت قلبا ينبض بالحياة، أوسع من كل الملاعب التي سحر فيها العالم. الرجل ترك وراءه إرثا إنسانيا عميقا يضاهي ما خلفته قدمه من مجد كروي لا ينسى.
إنسانيته برزت بوضوح في علاقته بالطفل الكازاخي علي تورجانبيكوف، الذي ولد بلا ساقين، ووجد في مارادونا مصدر إلهام ونموذجا للشجاعة. خلال فترة تدريبه لفريق الفجيرة عام 2018، وصلته رغبة الطفل في لقائه، فتحول الحلم إلى لحظة مؤثرة امتلأت بالضحكات واللعب. الذكرى ظلت عالقة في قلب دييغو، وبعد سنوات أعاد نشرها قائلا إن علي يمثل قوة الإرادة في أنقى صورها، كأنه كان يود أن يمنحه عناقا أخيرا.
ملامح التمرد الإنساني في شخصية مارادونا ظهرت في نابولي، حيث وقف إلى جانب طفل مريض يحتاج إلى جراحة باهظة الثمن. إدارة النادي رفضت مشاركته في مباراة خيرية خوفا من إصابته، غير أن دييغو اختار النصف الآخر من نفسه. دفع من ماله الخاص تكلفة التأمين ليتمكن من اللعب قانونيا، ووقف وسط ملعب طيني بسيط في ضاحية فقيرة. الحشود خرجت سعيدة، والطفل حصل على فرصته في الحياة، والجنوب الإيطالي حفر تلك القصة في ذاكرته.
سجله الإنساني امتد إلى تركيا عام 1995 خلال مباراة خيرية عادت بالنفع على البوسنة والهرسك بعد الحرب. احتشد الآلاف في ملعب علي سامي ين ليشهدوا حضوره، وكان مجرد وجوده يكفي لإعادة بعض الضوء إلى أطفال أنهكتهم المآسي. وبقيت شهادات اللاعبين مثل إلفير بوليتش تروي أن ظهور مارادونا نفسه كان تكريما للجميع.
الأثر ذاته حفره في بوليفيا، حين شارك في مباراة خيرية لجمع التبرعات للعائلات التي شردتها الفيضانات. الحدث لم يكن مجرد مساهمة مالية، بل موقف سياسي وإنساني معا، إذ استغل دييغو وجوده للدفاع عن حق شعوب أمريكا الجنوبية في اللعب على أراضيها المرتفعة، منتقدا قرار الفيفا بمنع المباريات هناك.
نوفمبر 2011 شهد قيادة مارادونا لكوكبة من أساطير كرة القدم في دبي خلال مباراة خيرية خصص ربحها بالكامل لصالح أطفال ليبيا. دييغو لم يكتف بالمشاركة الشرفية أو التدريب، بل أصر على النزول إلى الملعب كلاعب. الأسطورة تبرع بماله وجهده لإنجاح الحملة الإنسانية التي نظمتها مؤسسة الهلال الأحمر الإماراتي. ليتجلى مارادونا كما أحب أن يكون في هذه الملامح المتناثرة بين مدن العالم.. أسطورة بالقدم، وإنسان بالقلب.