تخيلوا عالمًا تتغير فيه قواعد الاقتصاد والسلطة بين ليلة وضحاها، حيث اللاعبون الكبار يتبادلون الأدوار، والحلفاء يتحولون إلى شركاء استراتيجيين، وأحيانًا الخصوم يصبحون حلفاء.
في قلب هذه الرقعة المعقدة، روسيا، تلك الدولة التي لطالما عاشت على هامش الاقتصاد العالمي تحت وطأة العقوبات والعزلة، قد تجد نفسها فجأة في موقع القوة، مركزًا لا غنى عنه، بفضل ثرواتها الضخمة من الطاقة والمعادن الحيوية التي تحتاجها الصناعات الحديثة، من السيارات الكهربائية إلى أنظمة الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة.
المحلل الجيوسياسي أندرو كوريبكو يرسم هذا السيناريو بتفاصيل لافتة: بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا، واشنطن وحلفاؤها قد يتحركون لتقليص نفوذ الصين في سلاسل الإمداد العالمية، ليس عبر المواجهة العسكرية، بل من خلال الاقتصاد. الهدف واضح: تنويع مصادر الطاقة والمعادن، وكسر الاحتكار الصيني للمواد النادرة. وهنا، تظهر روسيا كخيار استراتيجي جاهز.
روسيا، قد تكون عنصرا أساسيا في معادلة توازن دولي جديد، تشارك فيه الولايات المتحدة، وأوروبا، وحلفاء آسيا مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية. ومع ذلك، يبقى الشرط الحاسم هو اتفاق سلام محتمل في أوكرانيا، سلام قد يشكّل المفتاح لإعادة دمج روسيا تدريجيًا في النظام الاقتصادي العالمي.
وفي قلب هذا السيناريو، يبرز عنصر الحافز: إعفاءات جزئية ومدروسة من العقوبات، لا تُقدَّم كهزيمة سياسية، بل كمكافآت اقتصادية مشروطة. مكافآت قد تفتح الباب أمام استثمارات ضخمة في الطاقة والتكنولوجيا، وتقلل في الوقت نفسه من اعتماد موسكو المتزايد على الصين، حتى لا تتحول العلاقة بينهما إلى شراكة غير متكافئة.
إذا تحقق هذا التقارب، فلن يكون مجرد اتفاق سلام أو تهدئة مؤقتة، بل بداية عصر جديد للاقتصاد العالمي. عصر تنتقل فيه روسيا من الهامش إلى المركز، وتُعاد فيه كتابة قواعد اللعبة الدولية، بينما تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى فرض توازن جديد في مواجهة الصين.