logo
في العمق
فيديو

"حبوب الحروب".. كيف غيرت الأدوية والمنشطات وجه المعارك والصراعات؟ (فيديو إرم)

في الحروب، لا يُقاتل الجنود بالبنادق فقط، بل بأعصابهم، وإذا كان السلاح يحدد نتائج المعارك، فإن قدرة المقاتل على السهر والتركيز ومقاومة الخوف قد تحسم مصير دول بأكملها.

هنا يظهر دور "الأدوية والمنشطات العسكرية"، التي تحولت منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم إلى أداة خفية لإطالة عمر المعركة، وصناعة "جندي خارق" يفوق بقدرته حدود الإنسان الطبيعي.

في العمق هذا الأسبوع سنتحدث عن دور المنشطات في إعادة تشكيل الجيوش الحديثة، وكيف تحولت الأدوية و"حبوب اليقظة" إلى أداة لإطالة قدرة الجندي على السهر والقتال، وزرع العدوانية في نفوس المقاتلين.

حبوب اليقظة أو "شوكولا الطيارين"

تاريخ استخدام حبوب اليقظة والمنشطات على اختلاف أنواعها ليس بالجديد في أرشيف الحروب العسكرية، ولعل الطيارين الأمريكيين الذين طاروا لـ37 ساعة من أجل الوصول للأجواء الإيرانية وقصف المفاعلات النووية قبل أشهر يمثلون أجدد الأدلة على هذا النوع من حروب الأدوية في المعارك، فلجأوا إلى حبوب "ويك مي أب" (Wakeme-Up) المنشطة للبقاء يقظين. فما الذي يُمكن أن نذكره من أمثلة لأبرز هذه الأدوية ومناسبات استخدامها؟

خلال الحرب العالمية الثانية، كانت الحبوب المنشطة جزءًا من حقيبة الجندي. الألمان اعتمدوا على "البيرفيتين" (Pervitin)، وهو ميثامفيتامين قوي، لإبقاء جنود "الفيرماخت" مستيقظين لأيام متواصلة أثناء غزو فرنسا العام 1940.

تشير الأرقام إلى أنه تم تسليم 35 مليون حبة "بيرفيتين" إلى 3 ملايين جندي من الفيرماخت خلال مدة تراوحت بين 10-12 أسبوعًا، حيث تمكنوا من القتال والسير لمدة 10 أيام متواصلة، قاطعين مسافة 22 ميلاً يوميًا باستخدام هذا العقار، وبإشراف تام من مدير المعهد الفيزيولوجي للدفاع، التابع لأكاديمية الطب العسكرية في برلين آنذاك، أوتو رانك، الذي أشرف على توزيع العقار، حتى إن هتلر بذاته عانى الإدمان منه لفترة طويلة.

لم يكن الألمان وحدهم؛ الحلفاء أيضًا لجأوا إلى أدوية مشابهة بعدما عثروا في طيارات خصومهم المحطمة على هذا السلاح، فقرروا استخدام "البنزدرين" (Benzedrine) لتحفيز الطيارين والبحارة الأميركيين، وهو عقار بمزايا مشابهة، قبل أن يصل السلاح الفتاك إلى أمريكا. ففي الولايات المتحدة، تم توزيع ما بين 250 إلى 500 مليون قرص Benzedrine على القوات خلال الحرب، حيث تناول حوالي 15% من الجنود هذه المنشطات بانتظام، حتى بات يُطلق عليها لقب "شوكولا الطيارين".

أستراليا وكندا واليابان وغيرها من الدول استخدمت هذا السلاح أيضًا في أوقات وحروب متفرقة، وهكذا دخلت الأدوية تاريخ الحروب كعامل غير مرئي، لكنه بفاعلية وتأثير المدافع والدبابات. بيد أنها، ومع انتهاء الحرب، سُوِّق لها بحلول خمسينيات القرن الماضي على أنها حبوب لإنقاص الوزن ومُحسنات للمزاج، وكان مشاهير مثل مارلين مونرو وغيرهم يستخدمونها.

منشطات الحروب.. كلمة سر الجيوش

فعالية الحبوب المقوية والمنشطات استأثرت اهتمام وزارات الدفاع في الدول العظمى، فأمريكا مثلاً مولت مؤخرًا عبر وكالة "Darba"، وهي وكالة مستقلة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية مسؤولة عن تطوير تقنيات متقدمة للأمن القومي، برامج بحثية لصناعة "جندي لا ينام"، قادر على البقاء في حالة يقظة ذهنية 48 ساعة متواصلة عبر تقنيات دوائية وعصبية.

واليوم، يتوسع النقاش نحو "أدوية ذكاء" تُسمى (Smart Drugs). كانت القوات الفرنسية قد استخدمتها في مهمات مالي لإبقاء الجنود في قمة تركيزهم.

أستراليا، وبالتعاون مع بريطانيا وأمريكا وكندا ونيوزيلندا، أجرت دراسة عبر منظمة علوم وتكنولوجيا الدفاع الأسترالية (DSTO) لتقييم ما يقرب من 50 مادة مثل الكافيين والإفدرين من أجل التوصل إلى عقاقير جديدة تفيد في الحروب، بالرغم من التشديد على أن المنشطات غير مقبولة رياضيًا، لكنها قد تكون مقبولة في المهام العسكرية.

الأكثر إثارة أن بعض التقارير كشفت عن اهتمام روسيا والصين بتطوير "كوكتيلات دوائية" تعزز القوة الجسدية وتثبط الخوف، فيما تُجرى أبحاث إسرائيلية على حبوب تحفز على "التركيز الفائق" لدى الجنود في العمليات الخاصة؛ ما يفتح الباب أمام ما يسميه الخبراء "حروب الأعصاب"، حيث لا تُخاض المعركة فقط بالسلاح، بل بتغيير كيمياء الدماغ.

مفعول جبار مقابل جهاز عصبي منهار

تدمر أدوية بهذه التركيبة جهاز الإنسان العصبي مع الوقت، بل إنها تدفع متعاطيها أحيانًا لأفعال عدوانية مباشرة قد تجعل الجندي يقتل صاحبه، وهو ما وثقته العديد من الحوادث، سيما في الحرب العالمية الثانية. أما عن تأثيراتها المستقبلية، فحدث ولا حرج.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC