في أعقاب الضربة الأمريكية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية، يجد الكونغرس نفسه أمام منعطف حرج، فقد أثارت هذه العملية العسكرية موجة انتقادات من مشرعين ينتمون إلى أطياف سياسية متنوعة، يشككون في دستوريتها، وحكمتها الإستراتيجية.
ومع تصاعد التوترات وتهديدات بضربة أخرى محتملة إذا أعادت إيران بناء قدراتها، يرى خبراء ومشرّعون أن الكونغرس مطالب باستعادة سلطته الدستورية فيما يتعلق بصلاحيات الحرب، قبل أن تتفاقم الأزمة إلى صراع أوسع.
وشهد الكونغرس، مؤخراً، صخباً واسعاً، إذ أعرب أعضاء بارزون عن قلقهم إزاء التوسع في صلاحيات الرئيس في إعلان الحرب دون موافقة تشريعية، لافتين إلى مخاوفهم من مخاطر "حرب أبدية" جديدة في الشرق الأوسط. ووفق تقرير لموقع "ناشيونال سكيورتي جورنال"، فإن هذه الانتقادات تعكس توجساً مشتركاً من التجاوزات التنفيذية التي تهدد التوازن الدستوري للسلطات.
يرد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على هذه الانتقادات بالضغط على المعارضين الجمهوريين، مما دفع العديد من الديمقراطيين إلى التراجع، ومع تهديدات أمريكية وإسرائيلية بضربات إضافية، يواجه الكونغرس تحدياً عاجلاً لإعادة تأكيد دوره في الإشراف على قرارات الحرب.
ووفق الدستور الأمريكي يمنح الكونغرس سلطة إعلان الحرب، لكن هذه السلطة تآكلت تدريجياً مع تمدد السلطة التنفيذية على مر العقود.
ولاستعادة هذه السلطة، يمكن للكونغرس اللجوء إلى التشريع لتقييد صلاحيات الرئيس، لكن مع الأغلبية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ، تبدو فرص إقرار مثل هذا التشريع ضئيلة.
وحتى لو نجح الكونغرس في تمرير قانون، فإن حق النقض الرئاسي يشكل عقبة كبيرة، إذ يتطلب تجاوزه أغلبية الثلثين في كلا المجلسين، وهو أمر غير مرجح في السياق السياسي الحالي.
من الناحية القضائية، قد تتدخل المحاكم الفيدرالية للحدّ من التجاوزات التنفيذية، لكن المحكمة العليا، بأغلبيتها المحافظة، تميل تاريخياً إلى تجنّب التدخل في نزاعات صلاحيات الحرب. وهذا التردد، إلى جانب تفضيل المحكمة الحالية للسلطة التنفيذية، يجعل الرقابة القضائية خياراً غير واعد.
وكبديل، يُقترح تشكيل ائتلاف ثنائي الحزب يضم تقدميين وليبراليين ومحافظين ساخطين لدفع إصلاحات فورية وطويلة الأمد. على المدى القصير، يمكن للكونغرس عقد جلسات استماع عامة حول الضربة الأخيرة على إيران، وإصدار قرارات تطالب بموافقة الكونغرس على أي عمل عسكري مستقبلي.
ووفق التقرير، فإن مثل هذه الإجراءات، حتى لو كانت رمزية، قد ترفع الوعي العام، وتزيد الضغط على الإدارة، لكن على المدى الطويل، يحتاج الكونغرس إلى مواجهة التآكل المنهجي لسلطاته من خلال إنشاء لجنة مشتركة دائمة لدراسة صلاحيات الحرب.
كما أن هذه اللجنة يمكن أن تضع إطاراً يميز بين المصالح الوطنية الأساسية والهامشية، ويربط استخدام القوة بسلطة الكونغرس المالية، مما يضمن أن قرارات الحرب تتخذ بمسؤولية وشفافية.
أما التمييز بين المصالح الأساسية والهامشية فهو أمر حاسم، بحسب التقرير، فعلى سبيل المثال، منع إيران من السيطرة على إمدادات النفط العالمية يُعد مصلحة وطنية أساسية، في المقابل، برنامج طهران النووي، الذي يُعد دفاعياً في الأساس، يُصنف كمصلحة هامشية، لا تبرر تدخلاً عسكرياً دون موافقة الكونغرس.